- د. عبد الله عدوي
- أكاديمي متخصص في الاتصال والإعلام
حملت أحداث القدس والشيخ جراح ومعركة حد السيف الكثير من المفاجئات، ودفعت بأدوات نضال جديدة لتصدر صناعة المشهد، وقد بات الإعلام في صدارة العوامل التي ترسم المشهد الفلسطيني على المستوى المحلي والدولي، لكنّ أي إعلام بات يعوّل عليه في إحداث التحولات تجاه قضيتنا الفلسطينية وحشد الرأي العام حولها؟
عندما ننظر إلى إعلامنا الفلسطيني والعربي ونمعن النظر باحثين عن دوره في صناعة الصور الذهنية السلبية التي يشيعها ضد الاحتلال، لا نرى تميزاً لإعلامنا الفلسطيني الرسمي أو الفصائلي أو الخاص، ولا للإعلام العربي والإسلامي أيضاً، لا نجد دوراً يرتقي لدرجة المفهوم الكبير الذي نرجوه والمتمثل في صناعة رأي عام مناصر لقضيتنا وفاضح للاحتلال، يعول عليه في تحقيق التحرر الوطني، فوسائل الإعلام في عمومها تنقل أحداثاً حتى وإن واصلت التغطيات ليالي وأيام، فيما بثّ الوعي والدعاية ليسا في سلم أولوياتها، ونلمس الفرق الكبير حال المقارنة مع ما يقوم به إعلام الاحتلال والإعلام المناصر له في الغرب على وجه الخصوص.
في المقابل، لا شك أن صورة الاحتلال وبالرغم من ماكينته الإعلامية القوية تراجعت كثيراً، سواء على المستوى الدولي الذي تحطمت جهود الأدوات الإعلامية التي كرس لها الإمكانات الكبيرة وجند في سبيل صناعة صورته وتحسينها الكثير، فمشاهد اقتحام المسجد الأقصى والاعتداء على المصلين فيه وتهجير الناس من بيوتهم وقتل الأطفال وتدمير الأبراج السكنية أحرجته أمام الرأي العام ولم يكن من السهولة تبريرها. وعلى الصعيد الفلسطيني، فقد كرس الاحتلال جهوداً كبيرة في إدارة حملات العلاقات العامة وتحسين صورته لدى الفلسطينين والعرب في السنوات الماضية، إلا أن الأحداث الأخيرة أثبتت أن هذه الجهود وبإمكاناتها الهائلة تحطمت على عتبات المساس بالمسجد الأقصى، وواصلت تلاشيها على وقع صواريخ المقاومة التي دكت المدن المحتلة.
نشطاء التواصل الاجتماعي والمؤثرون الشباب باتوا يملكون قوة في الحشد وإحداث التفاعل والتعاطف مع القضية أضعاف ما لدى المؤسسات الإعلامية المنظمة، وقد باتوا قادرين على اختراق شرائح الشباب في البيئات المختلفة
عندما نرى نجوماً فلسطنيين وغربيين وعرباً يناصرون القضية الفلسطينية ندرك أن الرأي العام بخير، فنشطاء التواصل الاجتماعي والمؤثرون الشباب باتوا يملكون قوة في الحشد وإحداث التفاعل والتعاطف مع القضية أضعاف ما لدى المؤسسات الإعلامية المنظمة، وقد باتوا قادرين على اختراق شرائح الشباب في البيئات المختلفة ودفع الكثيرين إلى التعبير عن تضامنهم وتنديدهم بجرائم الاحتلال، فقد تحولت حسابات الانستغرام والفيس بوك وغيرها من منصات النشطاء إلى منصات تخلق حالة وعي غير مسبوقة، مستفيدين من حجم المتابعة العالي الذي يصل إلى عشرات الملايين لبعض الحسابات، ومن الأسلوب البسيط الجاذب للشرائح الشابة، بل إن مشاركة النشطاء الآخرين لا سيما الأجانب منهم بثّ زملائهم الفسطينيين شكل نقلة مهمة على صعيد ضخ الوعي في مختلف البيئات والشعوب وبلغات شتى.
المشهد الحراكي الأخير كان على خلاف نتائج استطلاعات الرأي العام الفلسطينية التي كانت تشير إلى تأخر البعد الوطني في اهتمام جيل الشاب، لكني أوعز هذا التحول للتحفيز الذي يلعبه الإعلام الاجتماعي، والذي دفع بالشباب الأردني إلى الحدود طالباً الموت، ودفع بالشباب في الضفة الغربية والداخل المحتل للتصدي للاحتلال ومستوطنيه، بل والتحدي في أحيان كثيرة ونشر التسجيلات المصورة على مواقع التواصل، هذا السلوك يعكس حجم التأثر الذي تحول إلى دافعية وطنية.
مشهد الإعلام الاجتماعي غذاه فنانون بأغانيهم الحماسية الداعمة للمقاومة؛ فلأول مرة يلتقي فنانوا الضفة الغربية والداخل المحتل وغزة والشتات في انسجام جهودهم واستثمارِ جمهورهم وفعالياتهم التي يشاركون فيها، دعماً للحالة الوطنية والمقاومة، وتعزيزاً للرأي العام الداخلي نحو حقوقه الوطنية، ما انعكس أيضاً على الدافعية الوطنية.
قد يكون من الصعب تحقيق أي استثمار سياسي للأحداث، ما يحتم علينا أن نستثمر في الوعي الوطني وتعزيز الجبهة الداخلية وتنمية التعاطف الدولي وتعزيزه حتى يحين الوقت للقدرة على الاستثمار السياسي
صحيح أن تأثير النشطاء فاق تأثير المنصات الإعلامية الرسمية، لكن هذا التفاعل مرتبط بحدث، يخشى عليه من التراجع مع تراجع أو استمرار الأحداث، لذا فإن النشطاء مطالبون بالاستمرار لاحقاً بوتيرة معقولة في ضخ الوعي بالقضية الفلسطينية، كما أن على المؤسسات الإعلامية أخذ دورها بعد ذلك. فالفرص التي كشفتها الأحداث الأخيرة كبيرة ومهمة ومجدية، وفي حالتنا الفلسطينية قد يكون من الصعب تحقيق أي استثمار سياسي للأحداث، ما يحتم علينا أن نستثمر في الوعي الوطني وتعزيز الجبهة الداخلية وتنمية التعاطف الدولي وتعزيزه حتى يحين الوقت للقدرة على الاستثمار السياسي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت