- بقلم عدنان الصباح
سبق لي ان قدمت تعريفا للفكر على انه وعي الفعل وحين حاولت ان اجد تعريفات اخرى مختلفة عن هذا التعريف مؤيدة له او معارضة اصطدمت بخلط اخرق بين الفكر والتفكير مع ان المسافة بينهما بعيدة جدا وحين طلب مني ان اكتب يوما عن الحداثة في الفكر السياسي العربي اعترضت واقترحت ان يكون عنوان ورقتي عن الحداثة في التفكير السياسي العربي لأنني على يقين ان العرب لا يملكون فكرا خاصا بهم ولا باي شكل من الاشكال ولا يملكون مكونات الفكر واسس نشوئه وتطوره وتأثيره في واقع الحياة وبديلا عن الفكر استطاعوا ان يكونوا اليات عاجزة للتفكير أي انهم حتى التفكير لم يعطوه الحق بالتطور والحياة.
يعرف حسن ملكاوي الفكر على انه " جهد بشري يحتمل الصواب أو الخطأ، فلا يتَّصف بالقداسة، ولكنه يقترب من الصواب ويبتعد عن الخطأ إذا كان مستنداً إلى عقلٍ صريح، ونقل صحيح، وإذا كان منسجماً مع الوقائع والطبائع " لاحظوا هنا الزام الفكر المسبق بالوقائع والطبائع فكيف يمكن للفكر ان ينسجم او يتطابق مع الوقائع والطبائع ثم يقوم بمهمته التي وجد من اجلها وهي احداث الفرق بالانتقال الى الامام من واقع الحال بوقائع وطبائعه الى ما هو افضل ويقول عبد الحليم عباس في مقال على الجزيرة نت بتاريخ 14/10/2017 " أنا أفترض أن للفكرة وجود بمعزل عن المعنى الذي تحمله، وأن للتفكير، كعميلة، وجود بمعزل عن الوعي به، فعندما أٌكون على وعي بأنني أفكِّر، أتساءل على سبيل المثال، فهذا ليس كل شيء، هناك تفكير وتساؤل كشيء موجود ومختلف عن الوعي به. بعبارة موجزة، التفكير هو شيء أكثر من الوعي بأننا نفكِّر " وهو ما يجعل من موضوعة الفكر عند العرب موضوعة وهمية خرافية فماذا يعني وكيف ان الفكرة موجودة بمعزل عن المعنى أي ان فكرة الاكل موجودة بمعزل عن الطعام او ان فكرة اللباس موجودة بمعزل عن الملابس ولو ان الكاتب ذكر مثلا ان الحاجة موجودة بمعزل عن تلبيتها وان الفكر هو اداة البحث عن التلبية لكان الامر مختلف فافتراض الفكرة بدون معناها افتراض وهمي يقترب من فكرة خل الفكرة من العدم او الوهم وهو ما لا علاقة له بعلم العلماء أيا كانت طبيعة هذا العلم ولذا يسمى بعالم من قام بتجربة فاشلة اراحت البشرية من اعادة تجربتها وقام بالانتقال بالبشرية الى البحث عن تجربة اخرى غير الفاشلة أي انها خطوة للأمام وهو ما يجعني مصرا على تعريفي السابق للفكر بانه وبكل اختصار " وعي الفعل " – لاحظوا كتابي الصادر عن دار الآن الاردنية بنفس العنوان " الفكر وعي الفعل ".
الفرق بين الفكر والتفكير تماما كالفرق بين الطبيخ واكل المطبوخ فالطباخ صانع فاعل مؤثر وقادر على احداث الفرق المرة تلو الاخرى بين من يأكل هو مستهلك لا يملك من امره شيئا وبين هذا وذاك هناك من يسمى بالمتذوق الناقد القادر على الاحاطة بالمطبوخ وتقديم الراي بشأنه واحداث الفرق للطبخة القادمة بمعنى اكثر عمقا فان الامم الصانعة ايضا لا تستطيع المواصلة دون هذا المتذوق او المفكر او الناقد او الفيلسوف القادر على استنباط السؤال وطرحه والسعي لإيجاد الاجابة عليه دون وجل او خوف او تردد بما يوفر لواقع الحال رؤية تساهم في الذهاب به الى الامام تطويرا في الفعل والاداء وبالتالي في النتيجة. في الغرب لا يتوقف الناقد عن فعل النقد وعن استنباط الاسئلة وتوجيهها للعلماء والعاملين الذي يجدون انفسهم ملزمين بالذهاب بعيدا الى الاجابة على الاسئلة ولذا اسس فلاسفة الغرب للثورة الصناعية واسسوا لثورة الاتصالات واخيرا وليس اخرا للثورة الرقمية التي لا زالت تتدحرج يوما فيوم لتقدم يوميا الجديد ثم الجديد ليس فس فعل الاستهلاك للمنتج الخرافي الذي طوى العالم على شكل لوح زجاجي رفيع بل فيما يمكن لهذا اللوح ان يوفر على البشرية ويحول الحياة الى اكثر يسرا وتقدما.
منذ الثورة الاسلامية العظيمة وتداعياتها الاولى توقف العرب هناك فم غير قادرين على الانتماء لهذه الثورة في رقيها وعظمتها في حينها وبدل ان ينتموا لجدلية اسئلتها انتموا لقشور اصحابها فلا زال البعض متمسكا بشكل الذقن واللباس وتمتمات القول لائمة مضى على ما قالوا مئات السنين وبدل ان يمعنوا عقلهم في القول باتوا يقدسون نصوص الائمة بديلا لنصوص القرآن الاكثر قداسة فما قاله الشافعي وابن حنبل وابو حنيفة ومالك بات اهم بكثير من القرآن وقد يصح للبعض اعادة تفسير القرآن او قراءته على طريقته لكن ذلك محرم على ما قاله الائمة وبالتالي فان العرب اوقفوا الفكر عند ائمتهم ومن اراد منهم الخروج ذهب الى مذاهب غير العرب ليستخدمها في تفكيره وفي الحالتين خواء لا معنى له. من توقف عقله عند الشافعي وصحبه قرر مسبقا ان الحياة ايضا توقفت هناك ومن يراقب التطورات السياسية في حالات ما سمي بالربيع العربي يرى ان الاكثر فعلا هم اولئك الذين تمسكوا بنصوص امثال ابن تيمية ولم يحاولوا حتى التفكير بها ما داموا قد الزموا انفسهم مسبقا ليس بالنص فقط ولكن حتى بالشكل وامثال هؤلاء استسهلوا نسخ ابن تيمية مثلا واعادة انتاجه على الارض من جديد كما هو دون علاقة لهم بكل مئات السنين هذه وما احدثه العالم وعلمه من فرق على ارض الواقع يحتم على الباحثين والفاعلين اخذه بعين الاعتبار. الامساك بالكتب الصفراء لأكثر من الف عام وقبول ما روي منها كما هو دون تمحيص واعتبار القائل مقدس كالقول دون ان يكون له صفة القداسة هو اعلان مسبق للموت على من قعل ذلك وترك نفسه اسيرا لهذا النص على عواهنه مما يجعل من الخرافة هي المسير الحقيقي للتفكير لدى هؤلاء وفي المقابل فان من هرب الى فكر الاخرين المختلف ليعتمده اداة لتفكيره نسي ان الادوات تشبه واقعها ولكي تتمكن من استخدامها فلا بد لك من ان تملك واقعها وهو ما ليس قائما في حالة العرب حين يستخدمون الفكر الرأسمالي او الاشتراكي وكلاهما لا ينتميان لواقع الحال في حياة العرب التي تواصل قبولها بتشكيلة القبيلة كتشكيلة اجتماعية اقتصادية حصرية بهم لا بد لها ان تمتد لتصبح ايضا تشكيلة سياسية فكرية مسيطرة فالحاكم العربي هو شيخ القبيلة الذي يستحق الاحترام ولا يجوز مناقشته وليس ادق من ذلك مما فعله الرئيس السادات باختراع قانون العيب وقد اعترض عليه عديد الكتاب المصريين وذكروا العالم بان سقراط اعدم في اليونان القديمة في القرن الرابع قبل الميلاد بتهمة مماثلة فقد كان سقراط يلقب بناقد اثينا وكان دائم النقد للحكام وحكمهم وطارحا للأسئلة وهو ما جعلهم يوجهون له تهمة الهرطقة والافساد والحكم عليه بالموت بعمر 70 عاما ولا ادل على ذلك من ان قتلة سقراط انفسهم لا زالوا يعيشون اليوم في القرن الواحد والعشرين أي ما يقارب 2500 عام بعد موته.
قتلة سقراط انفسهم لا زالوا يعيشون الخرافة حتى اليوم ويرفضون الاسئلة النقدية ان طالت مجالسهم وكراسيهم وحكمهم وهم اكثر الناس حرصا على التحدث عن العيب قانونا على طريقة السادات او تحريضا على طريقة اخرين كثر اينما كانوا ويكفي القول ان حرافة شيخ القبيلة هي خرافة قبول الحاكم الفرد القادر على الغاء كل شيء في الدولة بذاته ولصالح ذاته مع وجود من يصفق له ويقبل يديه وبذا فان مواصلة غياب " ناقد اثينا " عن بلدان العرب ومن على شاكلتهم سيجعل من قدرتهم على الانتقال الى الحضارات الاكثر عصرية امرا يشبه استحالة وجود العنقاء والغول.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت