الفلسطينيون ومحاولات إسرائيل لاختراق الاتحاد الأفريقي

بقلم: سنية الحسيني

سنية الحسيني
  • د. سنية الحسيني

طالما كانت أفريقيا أو القارة السمراء، ممثلة بمعظم دولها، ملاذ الفلسطينيين وساحتهم الآمنة والداعمة لقضيتهم، تماماً كما كان يشكل العرب والجامعة العربية ذلك. مئات القرارات التي صدرت عن الجمعية العامة، والتي تنتصر للحق الفلسطيني، جاءت بتأييد صلب متواصل من قبل تلك الدول الأفريقية. طوال تلك العقود الماضية، خلقت قرارت الجمعية العامة المنصفة للحق الفلسطيني، في إطار حرب الفلسطينيين العادلة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، حالة من التوازن السياسي للفلسطينيين في الأمم المتحدة، في مواجهة المماطلة الأميركية واستخدام الفيتو لإحباط اصدار مثل هذه القرارات من قبل مجلس الأمن. وتعي إسرائيل تماماً هذه الأهمية السياسية الخاصة للقارة السمراء، ناهيك عن أهميتها الاستراتيجية والاقتصادية لإسرائيل، الأمر الذي يفسر بداية مساعيها الدؤوبة لاختراقها منذ الإعلان عن نشأتها عام ١٩٤٨، مروراً بنسج علاقات مع معظم دول القارة، ووصولاً إلى مساعيها للانضمام إلى عضوية الإتحاد الأفريقي.

 

 ليس من الواضح بالضبط حدود الانتصار الذي حصده الفلسطينيون في قمة الإتحاد الأفريقي الأخيرة قبل أيام، وذلك بعد الاتفاق بالاجماع على تأجيل المناقشة والتصويت على عضوية إسرائيل في المنظمة إلى اجتماع القمة التالي في العام القادم. ويبدو أن الانقسام الحاد بين دول الإتحاد حول إسرائيل، كان وراء ذلك التأجيل، على الرغم من صدور تقرير إمنيستي الأخير، والذي يتهم إسرئيل صراحة بارتكابها جريمة الفصل العنصري، والذي كان يفترض أن يساهم في الخروج بقرار يزيح إسرائيل عن عضوية الاتحاد، وهو الأمر الذي كان يقلق إسرائيل. قد يكون من المهم الان للفلسطينيين مراجعة التطورات التي حققتها إسرائيل في اختراق القارة الأفريقية، والتي أوصلتها لعتبة الإتحاد الأفريقي، والبحث عن حلول لتقويض ذلك الاختراق الهام خلال هذا العام، لأن وجود إسرائيل في الإتحاد سيفتح الباب أمامها لتحقيق مزيد من النجاح بالتوغل والتقرب أكثر مع دول هذه القارة الصديقة.

 

 قد يكون من المهم ملاحظة أن قبول إسرائيل كعضو مراقب في الإتحاد الإفريقي، والذي جاء في شهر تموز الماضي، لم يخضع لعملية تبليغ الأعضاء، حسب الأصول، والتي منحت فترة ٤٥ يوماً للرد على طلب العضوية، اذ كان يعني إعتراض أي من هؤلاء الأعضاء على ذلك الطلب، العودة للتصويت والذي كان يحتاج لموافقة ثلثي أعضاء الاتحاد. ويبرر موسى فكي رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي قبوله المنفرد لإسرائيل دون العودة لأعضاء الاتحاد، وجود ٤٦ دولة من دوله تقيم علاقات سياسية مع إسرائيل، أي ما يتخطى موافقة الثلثين بكثير. وبصرف النظر عن مدى الصحة الإجرائية لقبول إسرائيل عضو في الاتحاد، من الواضح أن إسرائيل لم تضمن بعد ثلثي الأصوات لصالحها في المنظمة، سواء كان ذلك عندما تقدمت للعضوية في شهر تموز الماضي أو عندما تم الإعلان قبل أيام عن تأجيل التصويت على تجميد عضويتها إلى العام القادم، والا لكانت اختارت وشددت لنيل عضويتها على الآلية المعتمدة، كما أن ذلك الاستنتاج يفسر قلقها خلال اليومين الماضيين من إمكانية  اخضاع قرار تعليق قبولها في المنظمة للتصويت. إن ذلك يؤكد أن نجاح إسرائيل في إقامة علاقات سياسية او اقتصادية مع دول الأفريقية لا يعني وقف تلك الدول إلى جانب إسرائيل على حساب العرب أو الفلسطينيين. وتعتبر جنوب أفريقيا الشريك الاقتصادي الأول لإسرائيل في أفريقيا، الا أنها في نفس الوقت بقيت أحد المحاربين العتاه لصالح الفلسطينيين في المواجهة السياسية للاحتلال عموما وفي إطار محاولات إسرائيل الولوج إلى الاتحاد خلال الفترة السابقة خصوصاً.

 

وعلى الرغم من أن عاماً كاملاً قد يفتح الباب لإسرائيل للتأثير والضغط على مزيد من الدول الأفريقية للتصويت لصالحها في القمة القادمة، الا أنه يعتبر أيضاً فرصة مهمة للفلسطينيين. ويمتلك الفلسطينيون علاقات مميزة وتعاطف كبير مع العديد من دول القارة السمراء، فناهيك عن وجود عشر دول عربية أفريقية، بما فيها مصر بثقلها السياسي والجزائر التي تقف بكل جوارحها مع الفلسطينيين، هناك العديد من الدول الأفريقية التي طالما تعاطفت مع القضية الفلسطينية، على رأسها جنوب أفريقيا ذات الثقل والمكانة السياسية المرموقة بين دول القارة. ولولا تدخل هذا الدول وعلى رأسها الجزائر وجنوب أفريقيا والعديد من الدول الصديقة أيضاً، والتي يقيم بعضها علاقات سياسية مع إسرائيل، لما اعيد فتح ملف عضوية إسرائيل في الاتحاد. إن تلك المواقف المهمة من دول القارة تعطي دفعة قوية للدبلوماسية الفلسطينية للعمل بجدية عالية لترسيخ العلاقات مع الدول الصديقة وتطوير العلاقات مع الدول الأخرى من جهة، وفضح إسرائيل وممارساتها المنفرة لجميع دول القارة من جهة أخرى.

 

من الصعب إنكار الاختراقات التي نجحت إسرائيل في تحقيقها، خصوصاً خلال السنوات القليلة الماضية، عندما تولى بنيامين بنيامين رئاسة الوزراء في إسرائيل للمرة الثانية عام ٢٠٠٩، فعمل طوال عمر حكومته على ترسيخ علاقة بلاده بالدول الافريقية، مستخدما كل الأدوات الممكنة بدءاً من الزيارات الرسمية إلى العديد من دول القارة في نهج آسرائيلي غير مألوف تجاه أفريقيا، والمساومة باستخدام الحوافز الأميركية، وتقديم حوافز ودعم إقتصادي وعسكري وأمني وتقني، حسب الأولوية لإسرائيل وتقييم احتياجات تلك     الدول. وجاء وعي إسرائيل باهميته القارة الافريقية مبكراً، عندما شكلت عبئاً حقيقاً تصدى لإسرائيل كدولة احتلال في المحافل الدولية خلال عهد الخمسينيات من القرن الماضي، بالهام من مصر، وترجم بوضوح في مؤتمر باندونغ في اندونيسيا عام ١٩٥٥ الذي تحالفت خلاله دول أسيا وأفريقيا ورفضت دعوة إسرائيل الى المؤتمر على أساس أنها دولة احتلال استعمارية. وتطور الموقف الأفريقي الصلب في مواجهة إسرائيل بعد حربي عام ١٩٦٧ و١٩٧٣، حيث تم الاعتماد على قرار منظمة الوحدة الأفريقية الذي صدر عام ١٩٧٥، واعتبر إسرائيل دولة عنصرية في اصدار قرار الجمعية العامة الشهير رقم ٣٣٧٩ والذي صدر في نفس العام، وحمل ذات المحتوى، بتأييد من دول القارة الافريقية بشكل خاص. وتم الغاء هذا القرار عام ١٩٩١.

 

عادة ما كانت إسرائيل تتربص لاستغلال أي ثغرة تسمح لها بالنفاذ إلى داخل القارة السمراء، فبعد الإعلان عن قيام إسرائيل وحتى انعقاد مؤتمر باندونغ، نجحت في تدشين علاقات دبلوماسية مع أكثر من نصف دول القارة، الا أن ذلك العدد انخفض إلى أقل من أصابع اليد الواحدة بعد حربي عام ١٩٦٧ و١٩٧٣. عادت إسرائيل ورفعت عدد الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية معها مرة أخرى، خلال ثمانينيات القرن الماضي، أي بعد توقيع مصر لاتفاقية السلام مع إسرائيل. وتطورت تلك العلاقات الإسرائيلية الأفريقية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، وسقوط الأنظمة الأفريقية التي تحالفت معه، وكذلك في أعقاب توقيع الفلسطينيين لإتفاقية أوسلو مع الإسرائيليين. وقد تكون إسرائيل في طريقها لجني مزيد من المكاسب في ظل تحقيقها لاختراقات جديدة في إطار معاهدات التطبيع التي تسعى لتوقيعها خصوصاً مع الدول العربية.

 

هناك عاملان من الضروري وضعهما بعين الاعتبار للالتفاف على اختراق إسرائيل للقارة الأفريقية، ووقف تمددها السياسي والدبلوماسي فيها. يتعلق العامل الأول بضرورة تعامل الفلسطينيين لوقف عمليات التطبيع الإسرائيلية العربية، ومنع تمددها، فالقرار العربي الموحد الداعم للقضية الفلسطينية، يعتبر ضرورة لتطويق مؤامرات إسرائيل عموماً ضد الفلسطينيين في أي مكان في العالم، وله خصوصية خاصة في القارة الأفريقية التي تضم ٦٠٪؜ من العرب، ناهيك عن وجود ٣ دول أخرى غير عربية هي تشاد وأثيوبيا وأريتريا تعتبر اللغة العربية إحدى لغاتها. ويتعلق العامل الثاني بضرورة حسم الموقف الفلسطيني في علاقتها مع إسرائيل، فمن غير المقبول أن تجني إسرائيل إيجابيات توقيعها اتفاق سلام مع الفلسطينيين مع دول العالم، وفي نفس الوقت تمارس الاحتلال والإرهاب بحق الفلسطينيين.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت