- بقلم:سري سمور
مات الممثل المصري(هشام سليم) في يوم الخميس 22-9-2022 فتح نافورة ذكريات تصدرها مسلسل (ليالي الحلمية) والذي قام فيه الممثل المذكور بدور(عادل) نجل (سليم البدري) من زوجته (نازك السلحدار-صفية العمري).
وأول ما خطر في بالي هو الإهانة التي أراها واضحة وصريحة للمرأة الفلسطينية، والتي ما زلت أستغرب الصمت عليها من قبل (النسويات الفلسطينيات) وكل من يتحدث عن أهمية ورمزية المرأة الفلسطينية.
المرأة الفلسطينية غير مؤتمنة!
تزوج (عادل البدري-هشام سليم) من (سهيلة) وهي فتاة فلسطينية قامت بدورها الفنانة الفلسطينية-الأردنية (شفيقة الطل) وظهر أن (سهيلة) ليست امرأة عادية بل مناضلة اعتقلت في سجون الاحتلال الصهيوني وأفرج عنها، وزوجها المصري بصدد إنتاج عمل فني عن الانتفاضة(درس عادل الإخراج واحترفه كما في سيناريو وأحداث المسلسل) ولكن حدث خلاف بعد الإفراج عن (سهيلة) وعودتها إلى القاهرة، وزوجها (عادل) لأن سهيلة أعطت أولوية لقضيتها ونضال شعبها، وأرادت السفر، مع أنه صار لها طفل من زوجها المخرج المصري.
فاضطرت(سهيلة) إلى السفر من وراء ظهر (عادل) ومغادرة مصر، مع ابنها وظهر أن ثمة من يساعدها، وبهذا تكون سهيلة الفلسطينية امرأة غادرة، تمارس القرصنة واللصوصية والخطف ولا تؤتمن على زوج ولا ابن...هذا مع ما ظهر من شخصيتها الصلبة ونضالها ضد الاحتلال.
وزاد الطين بلة أن والد عادل أي (الباشا سليم البدري-يحيى الفخراني) حين جمع أولاده ليعاتبهم ويراجع معهم مسارات حياتهم كان مما انتقد به ابنه عادل قوله:البت الفلسطينية اللي اجوزتها وخطفت ابنك!
في نقلة إضافية لترسيخ فكرة المرأة السارقة الخاطفة الخائنة للأمانة، وإسقاط هذه الصفات على المرأة الفلسطينية، دون إظهار أية شخصية(مصرية) من الممثلين تدافع عن وجهة نظر هذه المرأة.
وقد يبدو أن كلام (سليم البدري-يحيى الفخراني) نابع من خلفيته كابن لطبقة(الباشوات) والتي ديدنها التعالي حتى على أبناء الشعب المصري من الفلاحين والعمال والحرفيين، بله الشعوب الأخرى، ولكن هذا التبرير غير منطقي وغير مقبول، لو نظرنا إلى شخصية (الباشا سليم البدري) وإلى الحدث نفسه، فيصبح أمامنا أب عاتب على ابنه لأنه لم يحسن اختيار زوجته، ولا الحفاظ على ابنه!
الإهانة والتطاول على مقام المرأة الفلسطينية هنا يتجلى بوضوح تام، لا يقبل التأويل أو التبرير، فلا يكفينا من يتهمنا ببيع أرضنا لليهود كي يقيموا عليها (دولة إسرائيل) المحبة للسلام، بل يضاف إليه هذا النوع الدنيء من التطاول الذي لم يتناول امرأة عادية بل أسيرة ومناضلة أيضا!
من يتحمل المسئولية؟!
التبرير التلقائي المتوقع أن من يتحمل مسئولية إظهار المرأة الفلسطينية المناضلة، كامرأة غير مؤتمنة وغادرة وسارقة، ليست (شفيقة الطل-سهيلة) ولا (هشام سليم-عادل) ولا (يحيى الفخراني-سليم البدري) بل المسئولية تقع على عاتق الكاتب بالدرجة الأولى والمخرج وبالتأكيد الجهات المكلفة بالرقابة والمراجعة في مصر.
صحيح، ولكن لا إخلاء لمسئولية الممثلين الذين يمكنهم رفض أداء الأدوار او التعديل عليها، وخاصة أن الممثلين يظهرون أنهم (حملة رسالة) وليس مجرد(مشخصاتية) ويتكلمون وكأنهم فلاسفة ومفكرين ومن أصحاب الآراء المعتبرة.
أسامة أنور عكاشة في خدمة حسني مبارك!
لا شك أن أسامة أنور عكاشة(1941-2010م) انتقل بسيناريوهات المسلسلات المصرية خاصة والعربية عامة، من الروتين الممل السخيف، البعيد في غالبيته عن واقع الناس، إلى حالة جديدة، متأثرا بالكاتب الراحل(نجيب محفوظ) كما أقر هو بهذا التأثر.
فلم تكرر كتاباته قصة البنت الغنية التي تقع في حب شاب من الطبقة المتوسطة أو الفقيرة، وتتحدى أهلها للزواج منه، وتتمركز قصة المسلسل حول هذه (القضية الكبرى) مع هوامش أحداث أخرى، غالبيتها لا تأتي على الشأن العام الداخلي، ولا على التطورات السياسية والتاريخية إلا لماما.
ومسلسل(ليالي الحلمية) بأجزائه الخمسة التي كتبها عكاشة من الأعمال البارزة التي بتناولها القضايا الاجتماعية مرتبطة بسياقها السياسي والتاريخي، كان من الأمثلة البارزة على كسر النمطية التي طبعت المسلسلات المصرية خاصة والعربية عامة؛ فقد تناول التغيرات التي طبعت الحياة في حيّ الحلمية القاهري(عاش فيه عكاشة عندما كان طالبا) منذ عهد الملك فاروق في الحرب العالمية الثانية، وحتى مضي حوالي 15 سنة من حكم (حسني مبارك)
ومع ذلك فإن أسامة أنور عكاشة هو بيدق في خدمة سياسات ورؤى نظام مبارك تماما في الأجزاء التي تناولت فترة حكم مبارك ويظهر ذلك فيما يلي:-
- في مقابلة صحفية مع عكاشة انتقد (مقص الرقيب) مع تأكيده على أن حسني مبارك منح مساحات وحريات، كأنه بلسان حاله يقول:موقف حسني مبارك يتعارض مع الجهات الرقابية...وكأنه غير راض عنها.
- جهاز مباحث أمن الدولة والذي حتى بعد الثورة المضادة تغير اسمه لما كان يحمل من سمعة سيئة وصيت أسوأ، أظهره مسلسل ليالي الحلمية بجانب مبالغ فيه من (الرحمة والخلق الرفيع) من خلال شخصية (المقدم علاء-أحمد عبد الوارث) في إسفاف واضح وتجاهل لما يعرفه المصريون عن إجرام الجهاز وعناصره.
- تبني تام لوجهة نظر نظام مبارك في المواجهة التي خاضها مع (الجماعة الإسلامية) المصرية وموضوع (مؤسسة الريّان) وغيرها، مما ظهر من شخصية (توفيق الصغير-علاء مرسي) وما جرى عليها من تطورات، دون السماح بسماع وجهة نظر أي طرف من الجماعة إلا وفق مسطرة النظام.
- إبراز الفكرة المكررة الغبية من كون (حسني مبارك) طاهر ومنزه عن الفساد المالي، بينما هناك فاسدين في المجتمع أمر بمحاربتهم واجتثاثهم، وقد ظهر هذا جليّا في حوار(ناجي السماحي) مع أمه من أن الرئيس حسني مبارك أمر بمحاربة الفساد، وهو-كرجل أمن- سيقوم بتنفيذ التوصيات...ولاحقا سيتم تدبير اغتيال (ناجي السماحي) ليصبح (شهيدا) لمهمة وطنية يرعاها حسني مبارك.
- في الجزء الخامس يظهر(سيد أبو ليلة-يوسف شعبان) مدافعا أمام روّاد المقهى عن سياسات (محمد الرزاز) وزير المالية(حكومة عاطف صدقي في منتصف زمن مبارك تقريبا) وأنها ستجلب الرخاء للشعب...طبعا (المعلم سيّد) يمثل الضمير الحيّ والصوت الصادق...وبهذا يكون المسلسل يحمل نفس الرسالة المكررة عن ضرورة صبر الناس على الغلاء والضرائب، لأن هذا في مصلحتهم وسيأتيهم الرخاء!
بالتأكيد لا نستبعد تدخل الأصابع الأمنية في سيناريو عكاشة، بالحذف والإضافة والتعديل، والأمثلة كثيرة منها ما اعترف به الكاتب الرحل(نبيل فاروق) كاتب سلسلة روايات الجيب(رجل المستحيل) عن تدخل المخابرات في السلسلة وتعديل الأحداث ومساراتها...نحن نتحدث عن روايات شبابية، فكيف الحال بمسلسل سيشاهده عشرات ملايين المصريين والعرب؟بالتأكيد لن يقتصر التدخل على قص مشهد هنا أو لقطة هناك.
ألا يوجد شيء جيد؟!
لماذا الآن تطعن في مسلسل استمتع بمشاهدته ملايين العرب، وقد تكون أنت منهم؟أليس في المسلسل أشياء جيدة ورائعة تستحق الذكر؟
بلى يوجد، بل حتى لحن وكلمات المقدمة جميلة، ولكن أنا سلطت الضوء على ما يخص شيئا عزيزا وهو المرأة الفلسطينية، حيث أنه لا يجب المرور على الإهانة مرور الكرام، وموت (هشام سليم) ذكرني بذلك.
أما الأشياء الجيدة والجميلة، فقد سالت بحار من المداد في الحديث عنها، يضاف إليها حوارات وندوات متلفزة وإذاعية، فأنا لن أضيف شيئا وسطوري ليست للتغزل بالمسلسل.
ملاحظة:كان مقر الإخوان المسلمين من أيام حسن البنا وحتى سنة 1954 يقع في الحيّ الذي تدور فيه معظم أحداث المسلسل(الحلمية) ومع ذلك لم يتطرق المسلسل إلى هذا الأمر، مع أن له أهمية عندما تتحدث عن حركة، وقت عرض المسلسل كانت تحصد أصوات الأغلبية في الجامعات والنقابات وغيرها.
وفي النهاية (هشام سليم) أفضى إلى ما قدّم ولكن أنا لن أسامح ما كان من إهانة للمرأة الفلسطينية.
،،،،
الأحد 29 صفر 1444هـ ، 25/9/2022م
من قلم:سري عبد الفتاح سمّور(أبو نصر الدين الحنفي)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت