داخل منزل متواضع في مخيم الشاطئ غرب غزة ، تجلس الحاجة وداد القيشاوي برفقة شقيقها عطا، ليسترجعوا الذكريات المؤلمة، بالتزامن مع ذكرى وعد بلفور 105.
تقول الحاجة وداد القيشاوي، إن ذكريات تهجير الفلسطينيين من أراضيهم حاضرة ولن تغيب يوماً عن أذهان اللاجئين المقهورين والمظلومين، ولا زال الشعب الفلسطيني يتمسك بحق العودة وحلم الحرية.
وأضافت القيشاوي في لقاء مع وكالة (APA) أنها هُجرت من بلدة القبيبه في مايو/ 1948م، حيث كانت تبلغ من العمر ثمانية سنوات.
وبأسى كبير تردد "وعد بلفور كارثة حلت على جميع الفلسطينيين، ولم يحصل مثلها في تاريخ الإنسان، بعد إعطاء الحق لإسرائيل بتهجير الشعب الفلسطيني واحتلال الأراضي".
وتابعت القيشاوي (82 عاماً) أن أحداث تهجير الفلسطينيين من بلدانهم لا تزال في مخيلتها "حاصرنا إطلاق النار من كافة الاتجاهات، ووصلنا إلى بلدة يبنا، واشتد إرهاب الاحتلال الإسرائيلي، لإجبارنا على مغادرة كافة أراضينا".
وأوضحت أن الشعب الفلسطيني الذي هُجر من أرضه كان لا يمتلك سلاحاً، في حين كانوا جنود الاحتلال يحاربونهم بالطائرات العسكرية والذخائر الحربية.
ولفتت القيشاوي إلى محاولة الفلسطينيين مواجهة هذه الذخائر العسكرية من خلال بيع الممتلكات الثمينة لشراء السلاح، لكن الهجمة الإسرائيلية جواً وأرضاً كانت أقوى من البارود.
وأكملت "عشنا سنين عديدة في مخيمات اللاجئين ونحن ننتظر العودة إلى بلداتنا المحتلة، ونرفض الواقع الصعب الذي فرض علينا".
وبنبرة قهر وحزن تتساءل القيشاوي "هل يستوعب العقل البشري أن شعب كامل هُجر من أرضه، ليحتلها من لا أرض له".
ولا زالت تحتفظ بالمقتنيات القديمة التي استطاعت أخذها قبل تهجيرها وعائلتها، وتحرص على توريث كل ما يثبت الحق الفلسطيني في أرضه، إلى الأجيال القادمة، حتى دحر الاحتلال الإسرائيلي عن الأرض الفلسطينية.
ومن جانبه يقول شقيق وداد، عطا القيشاوي، "إن بلداتنا الفلسطينية التي هجرنا منها جميلة جداً، ولا يوجد أرض في العالم يوازي جمالها".
وبحسرة أضاف أن أكبر كارثة حلت على الشعب الفلسطيني "وعد بلفور" حيث أعطى الأرض الفلسطينية لمن لا حق له فيها.
ولفت عطا إلى أن الشعب الفلسطيني كان في وقت الهجرة شعباً بسيطاً لا يمتلك أدوات المقاومة ليحارب الاحتلال الإسرائيلي الذي هاجمه من جميع الاتجاهات وبكافة الوسائل، ليحتل الأرض الفلسطينية.
وتابع أن "وعد بلفور" هي أساس تهجير الفلسطينيين من أرضهم، ليحتلها اليهود بقوة السلاح.
ومازال ينتظر الفلسطينيون في أماكن تواجدهم إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، والذي منحت الحكومة البريطانيّة الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، بناءً على المقولة المزيفة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
وصادف يوم الاربعاء، الثاني من تشرين الثاني، الذكرى الـ105 لصدور "اعلان بلفور" المشؤوم، الذي منحت بموجبه بريطانيا الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين.
وسطر وزير خارجية بريطانيا آثر بلفور رسالة في جملة واحدة تتألف من 67 كلمة وجهها لاحد زعماء الحركة الصهيونية والتر روتشيلد، بدأها بالقول إن "حكومة صاحبة الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين".
ودخلت الوثيقة المشؤومة التاريخ تحت مسمى "وعد بلفور "حيث كانت تتويجاً لسلسلة من الملابسات المقترنة بتطورات الحرب العالمية الأولى، والاستجابة لمجموعات الضغط الصهيونية في بريطانيا وأوروبا.
وكان الوعد وثيق الارتباط بما آلت إليه المخططات الاستعمارية للتاج البريطاني في المشرق عموماً وفي فلسطين بصفة خاصة، ولهذا لم يكن غريباً أن تصدر رسالة بلفور رسمياً في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917 بعد يومين فقط من نجاح الجنرال اللنبي في دحر الجيوش العثمانية والألمانية والنمساوية واجتياح بئر السبع ثم يافا.
وزعم بلفور في رسالته، أن بريطانيا ستحافظ على حقوق القوميات الأخرى المقيمة في فلسطين، وهو ما لم تلتزم به.
وكانت أولى الدول التي اعترفت بالوعد فرنسا وإيطاليا قبل أن تنضم الولايات المتحدة إلى صف المؤيدين في سنة 1919.
وخلال فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين (1917- 1948)، عملت لندن على استجلاب اليهود من كافة دول العالم، وتنظيمهم وتقديم الدعم لهم لتأسيس دولة إسرائيل.
وكان وعد "بلفور" بمثابة الخطوة الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين، استجابة مع رغبات الصهيونية العالمية على حساب شعب متجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين.
ويحمل الفلسطينيون وجود الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية حتى يومنا هذا لبريطانيا كونها السبب الأساسي لوجوده.
وكان رئيس تحرير صحيفة "الغارديان" آنذاك من غلاة المؤيدين للصهيونية حيث رحب بالوعد وساعد على تنفيذه فعلياً.
وقالت الصحيفة في مقال افتتاحي نشرته في 7 مايو/ أيار2020، إن دعم إعلانها لهذا الوعد عام 1917، كان من "أسوأ أخطائها".
وتحل هذه الذكرى المشؤومة، وما يزال الشعب الفلسطيني يعاني من ويلات الاقتلاع والتهجير وسلب الأرض ومخططات الضم والاستيطان التي لم تتوقف في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالإضافة لاستمرار جرائم القتل والتعذيب والحصار.
وتأتي أيضًا في ظل تحديات غير مسبوقة تواجه القضية الفلسطينية لأجل تصفيتها، وفي سياق هرولة بعض الأنظمة العربية نحو التطبيع مع "إسرائيل".
ولا يخفى أن بعض الأنظمة العربية استكملت نهج بلفور في توفير شرعية مجانية لدولة الاحتلال على حساب الشعب الفلسطيني وذلك من خلال التطبيع مع الاحتلال الامر الذي جعل "اتفاقيات إبراهام" شقيقة شرعية لوعد بلفور.
ووقعت الإمارات والبحرين والسودان والمغرب عام 2020 اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، لتنضم إلى مصر والأردن من أصل 22 دولة عربية.
وتستمر معاناة الشعب الفلسطيني مع مواصلة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية نتيجة وعد بلفور المشؤوم.