- بقلم : د. لبيب قمحاوي
- التاريخ: 04/01/2023
- [email protected]
من العجيب مطالعة موقف العديد من الفلسطينيين والأردنيين والعرب من مسؤولين وغير مسؤولين تجاه صعود أقصى اليمين الاسرائيلي الى الحكم مرة أخرى بغض النظر فيما إذا كانت تلك المطالعة من منظور أكثر قتامة أو واقعية أو أقل . إن صراخ أولئك المسؤولين الفلسطينيين والاردنيين والعرب وتحذيرهم من الخطر الكامن وراء صعود حكومة نتنياهو الى الحكم مرة أخرى يشير إما الى جهل في طبيعة الصراع الاسرائيلي مع الفلسطينيين، أو في طبيعة القضية الفلسطينية نفسها، وكأن مثل ذلك الصعود يشكل تغييراً في واقع الحال القائم في فلسطين منذُ عقود بغض النظر عن ماهية وطبيعة الحكومة الاسرائيلية القائمة في أي وقت من الأوقات .
موقف السلطة الفلسطينية من حكومة نتنياهو الجديدة هو أمر يدعو الى العجب وكأن ما جرى يشكل مفاجأة للفلسطينيين وتطور خطير في مسار القضية الفلسطينية، علماً أن السلطة الفلسطينية نفسها هي نتاج مباشر لسياسة قبول الاحتلال وليس نتاجاً لمقاومَتِهِ . التغيير الذي تحمله أية انتخابات كنيست اسرائيلية هو تغيير يتعلق بسياسات اسرائيلية داخلية وليس بسياسات تتعلق بالفلسطينيين، حيث يوجد اجماع اسرائيلي على المؤشرات السياسية الأساسية للعلاقة مع الفلسطينيين، وبالتالي لا داعي لإصطناع الفَزَعْ. الفَزَعْ مرتبط في هذه الحالة بالاعلان الاسرائيلي الرسمي عن حقيقة النوايا تجاه العلاقة مع الفلسطينيين، ومن هنا يأتي فَزَعْ الحكام العرب والفلسطينيين الذين يأملون في بقاء المصائب مخفية ومستورة دون الاعلان عنها مما قد يؤدي إلى احراجهم أمام شعوبهم .
لا يوجد خلاف حقيقي في الهدف المتعلق بالفلسطينيين بين أقصى اليمين أو اليمين أو اليسار أو أقصى اليسار الاسرائيلي . الخلاف هو فقط في الأسلوب والوسيلة . وقد أثبتت الاحداث والتاريخ بأن معظم الأذى الذي أصاب الفلسطينيين كان مثلاً من صنع حكومات اليسار الاسرائيلي . والفرق بين اليمين واليسار في حالة التعامل الاسرائيلي مع الفلسطينيين يتمثل في درجة الإفصاح علناً عن النوايا الاسرائيلية حيث يتبنى أقصى اليمين الاسرائيلي مواقف متطرفة ولكنها مُعلنة وتهدف الى الاسراع بالوصول الى نفس الأهداف، في حين أن الخلافات الحقيقية بينهما والمتعلقة بقضايا داخلية اسرائيلية ويهودية هي خلافات جديَّة ولا علاقة للفلسطينيين بها . البكاء والنواح العربي والفلسطيني لفوز اليمين وخسارة اليسار الاسرائيلي بأطيافهم المختلفة سوف لن يغير من الحقيقة شيئاً فيما يتعلق بموقف اسرائيل من الفلسطينيين، حيث أن الاختلاف كله يتعلق بقدرة المسؤولين الاسرائيليين من خلال أحزابهم الاسرائيلية على المناورة في الوسائل وليس في الأهداف، كون تغيير الأهداف بالنسبة للعلاقة مع الفلسطينيين أمراً غير مطروح بشكل جدي في الأجندة السياسية للإسرائيليين .
قضية فلسطين سوف تبقى قائمة، والخطرالاسرائيلي المتزايد سوف يبقى خَطَراً عاماً على كل دول المنطقة بالرغم عن أية معاهدات يمكن أن تربطها باسرائيل . إن صعود أقصى اليمين الاسرائيلي الى الحكم مرة أخرى، ومسارعة بعض المسؤولين الأردنيين إلى ترجمة المخاطر المترتبة على ذلك من منظور أردني بحت وكأن هنالك تسليماً بأن فلسطين قد ضاعت وأن قضية فلسطين قد إنتهت الى الأبد، وأن ما نحن مقبلون عليه هو انتقال الخطر الاسرائيلي من فلسطين الى الأردن، هو منظور يحمل في ثناياه خطورة القبول بالنهج الاستسلامي من جهة، وخطورة المغالاة في حصر الخطر المترتب على توليِّ أقصى اليمين الاسرائيلي الحكم في "اسرائيل" بالأردن فقط .
تقزيم علاقات الأردن بإسرائيل من خلال قضايا ضيقة ومحدودة مثل الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس، هو موضوع ُولِدَ في الأصِلً ميتاً كونه يستمد شرعيته من رضا وقبول الاحتلال الإسرائيلي والمتضمن إعترافاً أردنياً واقعياً بسيادة إسرائيل على القدس . واستعمال هذه الوصاية الدينية، والتي لا تعني شيئاً في المقاييس الوطنية، كباروميتر لقياس حرارة العلاقة بين الأردن واسرائيل هي أمرُ خاطئ . المقياس الحقيقي والصحيح يجب أن يكون من خلال قياس موقف اسرائيل من الفلسطينيين تحت الاحتلال ومن الحقوق الفلسطينية بشكل عام .
من المؤسف أن تنَطَّحْ البعض للتعامل مع العلاقة الاسرائيلية - الاردنية ينحصر في المنظور الضيق الذي يكتفي بتكرارعزف اسطوانات تقليدية مثل اسطوانة الوطن البديل على إطلاقها وبمعزل عن أي عوامل عربية أو إقليمية أو دولية عموماً، وبمعزل عن العامل الفلسطيني تحت الاحتلال خصوصاً، ومدى قدرته على مقاومة أي مخططات للإحتلال . وهذا الأمر يتطلب بالاضافة الى الدعم العربي العام، مساعدة ودعم الأردن للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال باعتبار ذلك أمراً يصب في صلب المصلحة الوطنية الأردنية، الأمر الذي يستدعي التوقف عن حصر العلاقة الرسمية الأردنية بالسلطة الفلسطينية كما هو عليه الحال الآن، والتوقف عن تجاهل دعم الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال حيث أن ذلك يُعتبَر في حقيقته أمراً يتناقض والمصلحة الوطنية الأردنية وجهود الدفاع عنها .
إن تجاهل الفلسطينيين كعامل أساسي في معادلة العلاقة بين الأردن واسرائيل من جهة، والعرب واسرائيل من جهة أخرى، هو الخطر الحقيقي على مستقبل القضية الفلسطينية وبالتالي مستقبل الأردن ومصالحه، والعرب عموماً ومصالحهم . الفلسطينيون هم العنصر الاساسي الناقض للوجود الإسرائيلي وشرعيته المزعومة، وتعزيز دور الفلسطينيين وليس السلطة الفلسطينية هو الضمان لأن تبقى اسرائيل في موقف الدفاع عن النفس في سعيها للحصول على الشرعية المزعومة سواء بقوة السلاح كما هو الوضع في الحال العربية أو من خلال القبول والانصياع كما هو الوضع في حالة السلطة الفلسطينية أو لكليهما معاً كما هو الحال في الحالة الأردنية .
المطلوب اسرائيلياً من الأردن لا يقتصر على الانصياع فقط للمطالب الاسرائيلية، ولكن أيضاً وبالاضافة القبول بما تطلبه اسرائيل لجعل تحقيق تلك المطالب ممكناً، وهذه تبقى مشكلة أردنية بحته وليست مشكلة الفلسطينيين كونهم في كل الاحوال هم الضحية وهم الطرف الخاسر وهم من َسُيرْغَمون على دفع الثمن. المربع الذي يقف فيه الأردن الآن سياسياً هو حصيلة سياساته على مدى العقود الماضية، وكما دخل الاردن الرسمي هذا المسار باختياره، عليه أن يجد لنفسه المخرج السليم منه دون أن يكتفي بلوم الآخرين على ما فعله على مدى العقود الماضية.
أما أولويات الشعب الأردني الصامد البطل فهي تختلف عن أولويات حكوماته وحكامه . التزام الشعب الأردني بفلسطين وقضية فلسطين هو التزام حقيقي لم يهن ولم يضعف بالرغم عن كل المكائد والدسائس والمطبات السياسية. الأردن ليس فلسطين وجميع الفلسطينيين يقولون ذلك وفلسطين العربية ليست الأردن، وجميع الأردنيين يقولون ذلك . وما بين هذا وذاك هو كلام قادة وحكام سواء أكانوا أردنيين أم فلسطينيين يسعون الى تمرير البرامج السياسية الخاصة بهم، مع أن ذلك مهما بلغ من درجة التمادي، لن يًغَيرِّ من الحقيقة شيئاً .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت