يقول محللون إنه بعد إراقة الدماء في القدس والضفة الغربية وبعد شهر من وصول أكثر الحكومات الإسرائيلية يمينية إلى السلطة، تغامر إسرائيل والفلسطينيون بالانزلاق إلى دائرة مواجهة أوسع.
وقتل فلسطيني مسلح سبعة أشخاص بالرصاص بالقرب من معبد يهودي على أطراف القدس مساء الجمعة، بعد يوم من غارة شنتها القوات الإسرائيلية على مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة أودت بحياة عشرة أشخاص بينهم سبعة مسلحين.
وقالت إسرائيل يوم السبت إنها سترسل تعزيزات من الجيش إلى الضفة الغربية ووعدت برد "قوي وسريع" على إطلاق النار الذي وصفته حركة حماس الفلسطينية بأنه رد على عملية جنين.
وشهد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مدا وجذرا على مدى عقود من الحروب والانتفاضات ومحادثات السلام. وفي الوقت الحالي، أصبح لدى إسرائيل علاقات مع عدد أكبر من الدول العربية، بينما أصبح الفلسطينيون أكثر عزلة وانقساما.
ويتفاقم العنف باستمرار، بعد أن أصبحت آفاق التقدم السياسي أكثر قتامة مما كانت عليه منذ سنوات في ظل انصراف تركيز القوى العالمية الآن إلى حرب أوكرانيا.
ويأتي أحدث اندلاع للمواجهات بعد أشهر من مواجهات حصدت أرواح 190 فلسطينيا، وفقا لأرقام الأمم المتحدة. وجاء في بيانات للحكومة الإسرائيلية أنه بالإضافة إلى السبعة الذين قتلوا يوم الجمعة، قتل فلسطينيون العام الماضي 29 إسرائيليا وأجنبيا، من بينهم مدنيون وجنود.
وزادت التوترات منذ عودة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى السلطة في ديسمبر كانون الأول مع وجود قوميين متدينين في مناصب وزارية رئيسية، وتوعدهم بموقف أكثر صرامة وإثارتهم لمشاعر الغضب لدى الفلسطينيين.
وقال غسان الخطيب، المحلل الفلسطيني وأستاذ السياسة في جامعة بيرزيت بالضفة الغربية، "أعتقد أن هذا التدهور سيستمر ولا مفر منه".
وأضاف الخطيب أن صعود السياسة الإسرائيلية الشعبوية أذكى المطالبة بإجراءات لا هوادة فيها ضد الفلسطينيين، مما "يؤدي إلى مزيد من ردود الفعل الفلسطينية وسيؤدي إلى استمرار التصعيد الحالي".
ويؤيد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن جفير الذي أثار غضب المسلمين بزيارة الحرم القدسي في غضون أيام من توليه منصبه، عقوبة إعدام للفلسطينيين المدانين بقتل إسرائيليين ومنح حصانة لجنود جيش وشرطة إسرائيل من المحاكمة.
مستوطنات أكبر وأسلحة أكثر
يسعى بن جفير أيضا إلى توسيع الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967 والتي يسعى الفلسطينيون منذ فترة طويلة لأن تشملها دولتهم المستقبلية. وتعتبر معظم القوى العالمية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية غير مشروعة.
ووعد بن جفير، في كلمة بعد إطلاق النار يوم الجمعة، بزيادة منح تصاريح السلاح للإسرائيليين. وقال إنه أصدر تعليماته للشرطة بتدمير المنازل الفلسطينية التي بُنيت بدون تصريح في القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل في حرب سنة 1967.
وقال حازم قاسم، الناطق باسم حماس، إن "هذه الخطوات والأساليب لن توقف مقاومة شعبنا المشروعة ضد الاحتلال، وسيواصل ثورته المجيدة حتى رحيل الاحتلال ومستوطنيه عن أرضنا".
وعلى الرغم من النبرة الحادة التي تستخدمها حماس التي تسيطر على قطاع غزة، لم تطلق الحركة صواريخها على إسرائيل، كما فعلت في حرب 2021، ويصر نتنياهو على أن إسرائيل لا تسعى إلى التصعيد، وترغب في تفادي أي مواجهة جديدة في الوقت الحالي.
لكن بعد مقتل ما لا يقل عن 35 فلسطينيا، بينهم مسلحون ومدنيون هذا العام، لا توجد مؤشرات تذكر على انحسار التوترات. وتقول إسرائيل إن مداهماتها في الضفة الغربية استهدفت المشتبه في ضلوعهم بهجمات دامية داخل إسرائيل العام الماضي. ويصف الفلسطينيون المداهمات الإسرائيلية بأنها اعتداءات على الأراضي المحتلة.
وجاء هجوم مساء الجمعة الذي نفذه الفلسطيني خيري علقم البالغ من العمر 21 عاما في وقت كان يتأهب فيه الإسرائيليون لعطلة السبت واليوم العالمي للمحرقة (الهولوكوست) الذي يحيون فيه ذكرى ستة ملايين يهودي يُعتقد أن النازيين قتلوهم في الحرب العالمية الثانية.
وتفاقم الوضع بسبب ما يسمى بالمهاجمين من "الذئاب المنفردة" الذين يتصرفون بمفردهم لكن إسرائيل تقول إن هؤلاء الشباب يتحولون غالبا للتطرف بسبب مقاطع مصورة على تيك توك ومواد أخرى لجماعات مثل حماس حتى لو لم يكونوا مرتبطين بها مباشرة.
قال مايكل ميلشتين، المستشار السابق للوكالة العسكرية الإسرائيلية التي تشرف على الشؤون الفلسطينية في الضفة الغربية "التحريض على الإنترنت تروج له حماس وله تأثير كبير على عقول جيل الشباب".
ووقع إطلاق النار على المعبد اليهودي يوم الجمعة في منطقة بالقدس ضمتها إسرائيل في خطوة لم تجد اعترافا دوليا.
ردود فعل تتابعية
قال والد خير علقم إن ابنه، مثل غيره من المهاجمين الذين يُعتقد أنهم من "الذئاب المنفردة"، ليس له صلات بجماعات متشددة.
وذكرت الأسرة أن جد خير علقم لقي حتفه في هجوم بسكين منذ ربع قرن. وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن محكمة أمرت بالإفراج عن مستوطن يهودي، بعد شهر من اعتقاله لاتهامه بجريمة القتل، قائلة إنه لا توجد أدلة كافية لمقاضاته.
ولم يرد متحدثون باسم الشرطة على الفور على طلبات التعليق ولم يرد القضاء على طلبات الحصول على وثائق المحكمة المتعلقة بقضية المستوطن.
وقال الخطيب، المحلل السياسي، إن الغضب الفلسطيني أججته تصرفات الجنود الإسرائيليين والمستوطنين اليهود وليس الجماعات الفلسطينية.
وأضاف الخطيب أن الشباب الفلسطينيون "لا يحتاجون إلى حماس، ولا فتح، ولا لأي أحد لتشجيعهم. إنهم يشاهدون فحسب ما يفعله المستوطنون، ويشاهدون فحسب ما يفعله الجنود الإسرائيليون وهذا يكفي".
ومضى الخطيب يقول "السبيل الوحيد للخروج من سلسلة الفعل ورد الفعل هذه هو عملية سياسية بمقدورها إعادة الأمل للفلسطينيين بإنهاء سلمي للاحتلال".
لكن احتمالات ظهور رد منسق من الفلسطينيين محدودة لأن قيادتهم منقسمة بين جماعة حماس الإسلامية المعزولة في غزة والسلطة الفلسطينية المعترف بها دوليا لكنها عاجزة عن الحركة في الضفة الغربية.
وقالت تهاني مصطفى من مجموعة الأزمات الدولية "تشهد كل منطقة من الضفة الغربية شكلا من أشكال الاشتباكات المسلحة لكنها ليست تحركات موحدة على مستوى جماهيري".
وقال خالد الجندي، من معهد الشرق الأوسط، إن التوتر الحالي يعيد إلى الأذهان ما حدث في عام 2000 حين أثارت زيارة لزعيم المعارضة الإسرائيلي حينذاك، أرييل شارون، احتجاجات فلسطينية تطورت إلى الانتفاضة الثانية.
وقال الجندي "كل شيء قد يمثل شرارة".
وقد أدى هذا الصراع الذي طال أمده إلى السعي من جديد لاستئناف جهود السلام الدولية. لكن مع تركيز دول كثيرة على الحرب في أوكرانيا والتحديات الاقتصادية المحلية، لا توجد مؤشرات تذكر على وجود ضغوط خارجية لوقف أي انزلاق نحو صراع أوسع.
ويزور وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إسرائيل والضفة الغربية هذا الأسبوع. وأدان بلينكن إطلاق نار يوم الجمعة في القدس في بيان لم يشر إلى أي التزام أمريكي بمعالجة الأزمة على النطاق الأوسع.
وقال الجندي "لدينا موقف مشابه جدا للأوضاع التي رأيناها في الانتفاضة الثانية، لكن دون تصرف الأطراف الخارجية مثلما فعلت حينذاك".