منذ السابع من أكتوبر 2023، دخلت النساء في قطاع غزة مرحلة من المعاناة غير المسبوقة، حيث تعرضن لأشكال عنف مركبة نتيجة الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة. يواجه القطاع معاناة إنسانية خانقة تتفاقم تحت وطأة الحصار والهجمات المكثفة التي أثرت على كافة مناحي الحياة، لكن النساء كنّ الأكثر تضررًا، بفعل الأدوار الاجتماعية والثقافية التي تزيد من هشاشتهن في أوقات الأزمات.
عنف منهجي وأرقام صادمة
تشير التقارير إلى أن أكثر من 12,000 امرأة قُتلن خلال الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت منازل وأحياء بأكملها دون تمييز. هذا العدد يعكس التدمير الممنهج للمجتمع الفلسطيني، حيث فقدت أكثر من 6,000 أسرة أمها، مما أدى إلى تشتيت العائلات وتعميق الأزمة الاجتماعية والإنسانية.
الاستهداف لم يقتصر على الأرواح فقط، بل طال النساء العاملات والطبيبات والصحفيات، مما أثر على الخدمات الحيوية في القطاع. كما فقدت العديد من النساء وظائفهن بسبب تدمير المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، مما جعلهن يعانين من انعدام الأمن الاقتصادي.
العنف الجسدي والنفسي
بحسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، أظهرت الدراسات أن النساء تعرضن لإصابات جسدية ونفسية متعددة. من بين 800 امرأة شاركن في دراسة موسعة، أفادت 55 امرأة بتعرضهن لإصابات خطيرة بفعل القصف العشوائي، مما أدى إلى بتر أطراف وتشوهات جسدية عميقة. هذه الإصابات خلفت آثارًا نفسية طويلة الأمد، حيث تشعر العديد من النساء بالعجز عن أداء أدوارهن الأسرية والاجتماعية.
إحدى الحالات المؤثرة التي وثقها المركز، هي إفادة منال جحا التي فقدت ساقها بسبب قصف إسرائيلي استهدف منزلها. تقول منال: "كنت أماً تهتم بأطفالها، واليوم أصبح أطفالي هم من يعتنون بي." هذه الحالة تعكس الواقع المرير الذي تعيشه النساء في غزة.
النزوح والتشريد القسري
نتيجة للهجمات، تعرضت النساء للنزوح المتكرر، حيث أُجبرن على الانتقال من مكان إلى آخر بحثًا عن الأمان. تعيش آلاف النساء في مراكز الإيواء التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة. المراحيض المشتركة، انعدام الخصوصية، ونقص المياه النظيفة جعلت الحياة اليومية معركة لا تنتهي.
أفادت الدراسات بأن 95.9% من النساء المشاركات في الدراسة اضطررن للنزوح، بينما لجأت نسبة كبيرة منهن إلى الخيام ومراكز الإيواء المكتظة. تقول حنين شخصة، إحدى النازحات: "نستخدم أوعية بلاستيكية لقضاء حاجتنا، ونعاني من برد البحر الشديد." هذه الظروف غير الإنسانية تفاقم معاناة النساء وتزيد من تعرضهن للأمراض.
فقدان المعيل وتفاقم الأزمة الاقتصادية
تشير الدراسة إلى أن أكثر من 286 امرأة فقدن مصدر دخلهن نتيجة القصف وتدمير البنية التحتية. النساء اللواتي كن يعتمدن على مشاريع صغيرة لإعالة أسرهن، وجدن أنفسهن بلا دخل، بينما يعانين من صعوبة الحصول على عمل بسبب انهيار الاقتصاد المحلي.
وفاء المجدلاوي، التي فقدت مصنعها الصغير للمعجنات، تعبر عن معاناتها بقولها: "فقدت كل شيء بنيته على مدار 11 عامًا. لم يعد لدي أي مصدر دخل لإعالة أسرتي." هذه الخسائر الاقتصادية زادت من هشاشة النساء، حيث تحملن أعباءً إضافية لرعاية أسرهن في ظل غياب أي دعم اقتصادي مستدام.
تحديات الحصول على الخدمات الأساسية
تواجه النساء في غزة تحديات هائلة في الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والنفسية. أدى تدمير 23 مستشفى و80 مركزًا صحيًا إلى تعطيل النظام الصحي، مما جعل النساء يعانين من نقص حاد في الخدمات الطبية. الحوامل والمرضعات كنّ الأكثر تضررًا، حيث أفادت العديد منهن بتدهور حالتهن الصحية بسبب سوء التغذية ونقص الرعاية.
سياسة التجويع الإسرائيلية وأثرها على النساء
تتعرض النساء في غزة لتأثيرات مدمرة نتيجة سياسة التجويع التي تنتهجها إسرائيل. انخفاض حصص المياه والغذاء أدى إلى انتشار سوء التغذية، حيث تعاني 485 امرأة من نقص حاد في العناصر الغذائية الأساسية. تضطر العديد من النساء لتقليل حصصهن الغذائية لصالح أطفالهن، مما يفاقم من تدهور صحتهن.
تقول صبرين رحمي، وهي حامل في شهرها الرابع: "أعيش على المعلبات والعدس، وأشعر بضعف مستمر. لا أستطيع توفير الغذاء الصحي الذي أحتاجه." هذه الشهادات تسلط الضوء على التحديات اليومية التي تواجهها النساء في ظل الحصار.
دعوات لإنهاء العنف وضمان الحقوق
يؤكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان على ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لحماية النساء في غزة من الانتهاكات المستمرة. توثيق هذه الجرائم والسعي لمحاسبة مرتكبيها على المستويين المحلي والدولي هو أمر بالغ الأهمية لتحقيق العدالة.