غزة — أعلن ائتلاف أمان تطوير نسخة مُحدَّثة من دليل منع الفساد في المساعدات الإنسانية، تستجيب لواقع الطوارئ في غزة وتستهدف سدّ الثغرات التي تولّد ممارسات خاطئة وتمسّ عدالة التوزيع. وقال وائل بعلوشة، مدير المكتب الإقليمي لائتلاف أمان في القطاع، إن الدليل “يحوّل مبادئ النزاهة والشفافية إلى خطوات تشغيلية واضحة منذ لحظة دخول الشحنة إلى المعبر وحتى وصولها إلى المستحقين، بما يحدّ من فرص الواسطة والمحسوبية والهدر”.
وأوضح بعلوشة خلال مقابلة إذاعية رصدتها وكالة قدس نت للأنباء أن الحاجة إلى الدليل تزداد كلما اجتمعت سرعة الاستجابة مع شح الموارد واتساع الطلب، وهي عناصر “تخلق بيئة خصبة لشبهات الفساد”. وأضاف: “لا ندّعي الوصول إلى صفر فساد، لكن باستطاعتنا تقليص الفرص ورفع كلفة المخالفة وجعل الأداء قابلاً للقياس والمساءلة”.
وبحسب بعلوشة، يستند العمل إلى تراكم خبرة ائتلاف أمان عبر موجات التصعيد والحروب منذ عام 2008/2009، مرورًا بتحديثات سابقة جعلت الدليل مستجيبًا للنوع الاجتماعي خلال الأزمات، ثم إجراءات خاصة بزمن الجائحة، وصولًا إلى النسخة الجديدة التي تراعي تعقيدات الحرب الراهنة وما صاحبها من منع متعمد وندرة في دخول المساعدات. ويشير إلى أن النسخة المُحدَّثة “تضع وزنًا خاصًا لحلقتي النقل والتوثيق باعتبارهما الأكثر هشاشة أثناء الفوضى”.
ويشرح بعلوشة أن الدليل يُقسِّم مسار المساعدات إلى مراحل متتابعة مع مسؤوليات مُعرَّفة وأدلة إثبات في كل نقطة:
ففي الاستهداف والمعايير، يوجب إشهار شروط الاستحقاق وآليات الاعتراض والتظلّم وتمكين الجمهور من الاطّلاع على ملخصات دورية دون المساس بالخصوصية، مع فصلٍ للأدوار بين التقييم والتوزيع والمراجعة لتقليل تضارب المصالح. وفي النقل واللوجستيات، يعتمد الدليل كشوفات شحن متعددة النسخ تُوقّع عند كل نقطة انتقال—من المعبر إلى المخزن إلى نقطة التوزيع—ضمن سلسلة عهدة موثقة بالأسماء والكميات والتواريخ، ويمنع التفريغ الجزئي على الطريق أو التسليم غير المصرَّح به، ويُلزم بمسار محدّد ونقاط تفتيش معلنة، مع توثيق ورقي/إلكتروني متزامن حيث يتاح. وفي التخزين والتوزيع، يشترط جردًا عند الدخول والخروج ومطابقات مفاجئة وضوابط للسلامة تقلّل الفواقد، إلى جانب رقابة داخلية مستقلة تنفّذ زيارات غير مُعلنة وتصدر تقارير مختصرة للنشر العام.
أما على مستوى النزاهة المؤسسية، فيُلزم الدليل العاملين والمورّدين والمقاولين بتقديم إقرارات تضارب المصالح والالتزام بمدوّنة سلوك وتلقّي تدريب دوري على النزاهة وإدارة الشكاوى، مع مصفوفة عقوبات تصاعدية للمخالفات. ويؤكد بعلوشة أن “الدقيقة الموفَّرة على الطريق تعني فاقدًا أقل وفرصة فساد أضيق”، ولذلك يُولي الدليل اهتمامًا خاصًا بسلاسل النقل وحمايتها وفق معايير دولية، لاسيّما في ظل الاعتداءات والاضطرابات التي قد تطال القوافل.
ويقرّ بعلوشة بأن الفوضى العارمة التي رافقت الحرب أتاحت ممارسات خاطئة “قد تُقرأ كفساد”، كما أن فقر بعض العاملين قد يضعهم تحت شبهة اجتماعية إذا شوهدوا يتلقّون مساعدة مستحقّة. ويضيف: “الدليل يحمي المنظومة والعامل معًا عبر توثيقٍ وتدقيق يقلّلان اللُّبس ويُحدّدان المسؤولية ويُظهران مواضع الخلل وكيفية معالجتها”.
على صعيد الاعتماد، كشف بعلوشة عن مذكرة تعاون موقعة بين ائتلاف أمان ووزارة التنمية الاجتماعية لتعميم الدليل على العاملين في المجال الإنساني، إلى جانب تفاهمات مع مؤسسات أهلية ودولية فاعلة في الإغاثة “لتحويل الدليل من اجتهاد مهني إلى معيار مُعتمد”. ويرى أن ارتفاع وعي الجمهور واتساع مساحة الشكاوى الموثّقة ولّد ضغطًا إيجابيًا على الجهات المُنفِّذة “لإغلاق الثغرات وتعديل المسارات”.
ويربط بعلوشة نجاح الدليل بـإرادة التطبيق لدى الجهات المسؤولة: “يمكن لأي نظام أن يُفرَّغ من مضمونه إن غابت الرغبة في النزاهة. لكن وجود الدليل يُضيّق هامش المناورة أمام المخالفات ويُنشئ رقابة ذاتية ومجتمعية مستندة إلى وثائق وإجراءات لا إلى الانطباعات”. ويختم: “نحن نسعى إلى الحدّ الأقصى الممكن من العدالة في ظروف معقّدة؛ وكلّما ازداد تدفق الشاحنات واتّسعت رقعة التوزيع، ازدادت الحاجة إلى قواعد تشغيلية صلبة تضمن أن تصل المساعدة لمن يستحقّها بسرعة ونزاهة وكرامة”.
بهذه المقاربة، يقدّم ائتلاف أمان إطارًا عمليًا “من المعبر إلى يد المستفيد” يوازن بين سرعة الاستجابة وسلامة الإجراءات، ويُعيد ضبط مسارات الإغاثة على قاعدة: شفافية يمكن التحقّق منها، ومساءلة يمكن تفعيلها.
