قالت مصادر فلسطينية مطّلعة إنّ المشاورات الجارية بين الوسطاء وقيادة حركة حماس تتركّز على مصير عناصر كتائب القسّام في مدينة رفح، مؤكدةً أنّ خيار ترحيلهم إلى دولة ثالثة غير مطروح حالياً، وأنّ النقاش يتجه نحو صيغة تُبقيهم داخل القطاع ضمن ترتيبات أمنية بضمانات دولية.
وأوضحت المصادر لصحيفة «العربي الجديد» أنّ الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق الأميركي للسلام مرتبط بشكل مباشر بحسم هذا الملف المعقّد، مشيرةً إلى أنّ القاهرة والدوحة وأنقرة تبذل جهوداً مكثفة لتجاوز العقبات أمام التنفيذ الكامل للمرحلة المقبلة من التفاهمات.
وأضاف أحد المصادر أنّ حماس وافقت مؤخراً على تسليم جثة الضابط الإسرائيلي هدار غولدين، الذي قُتل خلال عدوان عام 2014، استجابةً لطلب الوسطاء، بهدف «منع إسرائيل من استغلال الملف لعرقلة تنفيذ التزاماتها». ووفق المصدر نفسه، لعبت تركيا دوراً بارزاً في إقناع قيادة الحركة بهذه الخطوة عبر اتصالات مباشرة، وذلك في إطار مقايضة غير مُعلنة تتيح تسهيل حلّ أزمة مقاتلي رفح مقابل تسليم الجثة.
وفي السياق ذاته، أكدت مصادر فلسطينية أنّ وفداً أميركياً وصل إلى تل أبيب، الأحد، مكلّفاً بمعالجة العقبات التي تعيق الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق الذي تم إعلان إطاره خلال قمة شرم الشيخ للسلام، برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ويجري الوفد مشاورات موازية مع المسؤولين الإسرائيليين والوسطاء الإقليميين لتثبيت وقف إطلاق النار وضمان تنفيذ البنود الإنسانية والأمنية المتّفق عليها.
وقال مصدر في حماس إنّ الحركة تبذل جهوداً كبيرة لتسليم جثث المحتجزين الإسرائيليين كافة، معتبراً أنّ هذا الالتزام «يُحرج إسرائيل ويُقلّص قدرتها على التنصّل من التزاماتها».
وبحسب المصادر، فإنّ ملف مقاتلي القسّام في رفح يُمثّل العقبة الأخيرة أمام الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، التي تشمل توسيع صلاحيات مجلس السلام، وزيادة المساعدات الإنسانية، وبدء ترتيبات الأمن المشترك تحت إشراف قوة دولية.
من جهتها، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنّ مسؤولاً تركياً رفيعاً قال الليلة الماضية إنّ أنقرة تعمل على ضمان مرور آمن لنحو 200 مدني فلسطيني «عالقين في نفق برفح»، على حدّ تعبيره، وذلك بعد إعادة هدار غولدين. وأشار المسؤول إلى أنّ بلاده ساهمت بنجاح في إعادة غولدين بعد 11 عاماً عقب جهود مكثفة «تُظهر التزام حماس الواضح بوقف إطلاق النار»، على حدّ قوله.
وفي المقابل، أفادت القناة 12 الإسرائيلية بأنّ جاريد كوشنر، مبعوث وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب, يناقش مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حلاً لأزمة مقاتلي القسّام عبر اقتراح ترحيلهم المؤقت إلى دولة ثالثة، وهو ما ترفضه حماس حتى الآن.
وتضغط واشنطن، بحسب المصادر، على إسرائيل للموافقة على منح ممر آمن للمقاتلين، معتبرةً أنّ وجودهم في الأنفاق جنوب القطاع «يشكّل مصدر توتر قابلاً للانفجار»، وتسعى إلى تحويل هذا الملف إلى نموذج أوّلي لـنزع سلاح حماس في غزة.
وتقول المصادر إنّ المشاورات مستمرة على أكثر من خطّ، بين العواصم الوسيطة والوفود الفنية، لضبط تفاصيل الترتيبات الأمنية وضماناتها الدولية، في وقت تتمسّك فيه حماس برفض الترحيل وتؤكد التعاطي مع المقترحات التي تُبقي مقاتليها داخل القطاع ضمن صيغة متفق عليها تتيح تثبيت وقف إطلاق النار وتنفيذ البنود الإنسانية تمهيداً للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق.
وتسلمت إسرائيل، مساء الأحد، جثة تعود للضابط هدار غولدين، الذي قُتل في أغسطس/ آب 2014 بقطاع غزة، واحتجزت حركة "حماس" جثمانه ولم تقدم أي معلومة بشأنه منذ ذلك الحين.
وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في بيان، أن تل أبيب تسلمت جثة أحد القتلى المحتجزين في قطاع غزة. وعقب ذلك بساعات، أكد الجيش الإسرائيلي أن الجثة الذي تسلّمها تعود للضابط هدار غولدين.
في هذه الأثناء، أفادت تقارير أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطا على حكومة تل أبيب لتوفير عبور آمن لنحو 200 عضو من حركة حماس عالقين في مدينة رفح مقابل تسليم جثة غولدين.
ومنذ بدء اتفاق وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، وحتى 9 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، سلمت "حماس" الأسرى الإسرائيليين العشرين الأحياء، ورفات 26 آخرين من أصل 28، معظمهم إسرائيليين.
بينما تدعي إسرائيل أن أحد الجثامين التي تسلّمتها ليست لأي من أسراها، وأن رفات آخر ليست جديدة بل بقايا لأسير سبق تسلمه، وتقول إنها تنتظر تسلم 4 جثامين متبقية.
وترهن تل أبيب بدء التفاوض لتدشين المرحلة الثانية من الاتفاق بتسلمها بقية جثث الأسرى، بينما تؤكد حماس أن الأمر يستغرق وقتا لاستخراجها نظرا للتدمير الإسرائيلي الهائل بغزة.
في المقابل، يوجد 9500 مفقود فلسطيني قتلتهم تل أبيب، ولا تزال جثامينهم تحت أنقاض حرب الإبادة الإسرائيلية، وفقا للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
كما يقبع في سجون إسرائيل أكثر من 10 آلاف أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء، ويعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، قتل العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
وأوقف اتفاق وقف إطلاق النار حرب إبادة جماعية إسرائيلية على غزة بدأت في 8 أكتوبر 2023 وخلفت أكثر من 69 ألف قتيل فلسطيني وما يزيد 170 ألف مصاب، معظمهم أطفال ونساء، مع إعادة إعمار قدرت الأمم المتحدة تكلفتها بنحو 70 مليار دولار.
