السيمينار اليساري العربي والدور المطلوب

بقلم: عباس الجمعة

ان الحديث عن السيمينار اليساري العربي الذي انعقد في اربيل شكل نموذجا رئيسيا في مرحلة نحن بامس الحاجة الى توحيد وتعزيز الصفوف رغم غياب بعض القوى التي كنا نأمل ان تكون حتى نشكل رؤية الحد الادنى بغض النظر عن اراء اليسار المختلفة في بعض الجوانب حسب كل بلد من الدول العربية ، لان ما يعنينا هو اعادة تنظيم القوى اليساريه والديمقراطية بهذا المعنى سيكون اوسع من الشيوعيين وهذا له فائدته عند الاقتراب الفعلي من المضمون الواقعي للمساواة والحرية المرجوتين، ومن هنا لا بد ان نثمن عاليا دور الحزب الشيوعي العراقي في الاستضافة والجهود الصادقة لتنظيم وإدارة أعمال السيمينار اليساري النقابي الاول، والنتائج النظرية والعملية التي تمخض عنها، حيث كان لكل ذلك اثر واضح في انجاز مهمتنا النضالية الهامة وتحويل ما توصل له الى نجاحات قادمة.

 

ان توقف السيمينار النقابي اليساري امام ما تعانيها الطبقة العاملة، فأحزمة البؤس أصبحت ظاهرة متفشية, حيث نسب البطالة اعلى من اي مكان آخر وتمتاز بغياب الخدمات الاساسية فيها، فالفقر مسألة ملحة ، وخاصة مع التقدم باتجاه الانفتاح والاندماج المتزايد في الاقتصاد العالمي مما سيعني رمي هؤلاء في السوق العالمية دون اية قدرة على المواجهة. النساء يعانين من وضع مزري نتيجة انتهاك حقوقهن وانتشار للأمية في وسطهن, ومعاناة الشباب وهم الشريحة العمرية الاكبر، وكذلك الحال مع الحرية، فهي الاخرى غائبة عن المجتمعات العربية، فلا انتخابات حقيقية ولا حق بتشكيل الأحزاب أو النقابات المستقلة, ولا صحافة حرة، اي غياب كامل للحقوق الاساسية للأفراد.

 

على اليسار أن يوضح مشروعه في القضيتين وعلى جميع المستويات وان لا يقتصر على شريحة محددة أو مسألة معينة. فاليسار لا يستطيع ان يكون يسارا في مكان وتقليديا في مكان آخر، الكفاح ضد البؤس يعني كفاح ضد كل اشكاله وهذا ما سيعطي اليسار قدرة اكبر على التحرك, حيث سيعفيه من الارتباط ببرامج فرعية ( على اهميتها الكبرى). فاليسار يستطيع أن يرتبط بالحركات الجديدة والتي تدافع عن قضايا محددة وان يسعى الى ادماجها ضمن تيار واسع عبر تأكيده الدائم على قيمتي الحرية والمساواة.

 

على اليسار العربي أن يتوقف عن اعطاء مواقفه الحاسمة هذه مع أو ضد وأن يلتفت لواقع البؤس والتمرد ضده بشكل أكثر عمليةمن خلال نظرة تقويمية لحركة اليسار العربي ، تفتح باب الأسئلة حول تجارب الأحزاب اليسارية العربية . بجناحيها الشيوعي والديمقراطي والقومي ، خاصة وأن كثيراً من القراءات لتجارب هذه الأحزاب باتت تسلّم بإخفاقها عن استيعاب ووعي حركة الواقع ، وبالتالي فشلها في تغييره ، كذلك لا نستطيع التحدث عن يسار عربي دون أخذ واقع التجزئة بعين الاعتبار وهي تحتاج بالتأكيد إلى دراسات تحليلية معمقة في الفكر السياسي اليساري العربي وتجاربه ، للإجابة على هذه الأسئلة المتشعّبة ، إذ من الصعوبة بمكان الإحاطة بهذا الموضوع الشائك حول دور اليسار العربي من خلال مقالة كهذه ، مع ذلك سنحاول قدر الإمكان مقاربة الموضوع بتكثيف تصور شامل للمسألة بأبعادها الداخلية والخارجية.

 

إن مسألة وعي الواقع كإشكالية ، تفرض علينا مناقشة الرؤية ، أو الرؤى التي استند إليها اليسار العربي ، وتفحّص مشكلاتها ، ليس على المستوى النظري فحسب ، وإنما على مستوى القضايا العملية التي طرحها الواقع ذاته ، والمهمات والبرامج التي انبثقت عن هذه القضايا ، كي تفضي إلى وسائل حلّها وتجاوزها ، وأعني هنا مسائل القومية : الاستقلال , التجزئة ، التحرر ، الوحدة ، التنمية وأفق التطور الاقتصادي, والاجتماعي العربي ، والمهمات الأخرى التي يحددها الواقع العربي بتعييناته ، على اعتبار أننا لا زلنا في مرحلة التحرر الوطني الديموقراطي وخاصة في فلسطين ، حيث يفرض علينا واقع الاحتلال مهمات إضافية أساسية تتعلق بمواجهة الاحتلال ودحره ، مثل هذه المهام تتطلب أوسع مشاركة شعبية ، من قِبل جميع القوى الاجتماعية والطبقية الفاعلة ، التي عليها أن تنتظم في أطر جبهوية عريضة ، هي الصيغة الأكثر فعالية لإنجاز مهام الثورة الوطنية الديموقراطية ، التي يندرج ضمنها مواجهة الاحتلال ، والتحرر من التبعية ومحاربة التجزئة ، والوحدة, وإنجاز التنمية الاقتصادية والاجتماعية, وكل هذا يجب أن يرتبط بفهم عميق لمسألة الديموقراطية التي تتجاوز مسألة الحريات السياسية فحسب ، إلى مسألة تحصين البلدان العربية ضد التهديدات الخارجية المحتملة من خلال الإصلاح الداخلي الذي يستدعي أوسع صيغ التحالف الوطني العريض ، والمشاركة الشعبية في القرار السياسي, والاقتصادي, والاجتماعي الفاعل ، الذي يعني ضمناً إعادة المجتمع إلى دائرة الفعل ، بعد أن غيب طويلاً.

 

ان الامبريالية عملت بشكل حثيث على تمزيق الجسد الحي للشعوب العربية من خلال الانقضاض على ثوراتها وانتفاضاتها من خلال الثورة المضادة بقيادة ما يسمى بعض قوى الاسلام السياسي بهدف ابقاء هذه البلدان دون اي مقومات على مستوى التقدم والنمو الاقتصادي والسياسي المستقل ، وشكلت دعما كاملا للكيان الصهيوني الذي يقوم بالعدوان والارهاب على الشعب الفلسطيني الذي يريد أن ينفي شعباً بأكمله ويحل مكانه على أرضه وثرواته وتاريخه من خلال تهويده للارض والمقدسات على مرآى ومسمع العالم .

 

لهذا نرى اهمية العمل من اجل التصدي لمحاولات الادارة الادارة الامريكية والكيان الصهيوني التي تستهدف مقدرات الشعوب ونهب خيراتها من خلال سياسة التطبيع او من خلال الشركات الأجنبية التي تعمل وفق برامج تستهدف في النهاية تفتيت الدول القائمة إلى دويلات طائفية وعرقية وإثنية الخ...و استهلاك قواها في حروب داخلية وتدمير قواها المنتجة, وإنهاكها في صراعات أٌليمة تحول دون الدفاع عن حقوقها ووجودها وتجعلها تنشد الأمان في أحضان السياسة الأمريكية الصهيونية حتى تضمن مصالحهما النفطية فى هذا المنطقة التى تمدها بالطاقة والحياة .

 

ان ما يسمى بالربيع العربي لم يجلب للجماهير الشعبية العربية سوى مزيد من الاستبداد والاستغلال والتخلف ، لإعادة تشكيل بلدان النظام العربي في إطار أشكال جديدة من التبعية للسياسات الأمريكية والنظام الرأسمالي العالمي من خلال القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية المؤثرة ، رجال الأعمال والكومبرادور وبقية أشكال الرأسمالية الطفيلية المعادية لتطلعات الشباب الثوري و جماهير الفقراء من العمال والفلاحين وكل المضطهدين.

 

ان ما يتصدر المشهد السياسي في اللحظة الراهنة، هو محاولة إفراغ الانتفاضة الثورية في مصر وتونس من مضمونها الطبقي الاقتصادي والاجتماعي الذي كان السبب الأول لانفجارها جنباً إلى جنب مع مطلب الديمقراطية والحريات الفردية والكرامة والعدالة وتحديد الحد الأدنى والاقصى للاجور.

 

هذا الوضع يتطلب وقفة جادة من اليسار العربي حتى يعزز اولا من دور الطبقة العاملة وأحزابها ونقاباتها بالإضافة إلى حركة الفلاحين حتى تلعب دوراً فاعلاً في هذه العملية التحرر الوطني, وهذا يقتضي من اليسار العربي والفلسطيني مراجعة كاملة لكل المناهج والبرامج والمهمات المطروحة علينا, للخروج بفهم جديد يعيدنا إلى دائرة الفعل المؤثر في حركة الواقع .. على مستوى الاستراتيجيا والتكتيك الصحيح الملائم لظروف المرحلة الراهنة .

 

ختاما لا بد من القول : ان المطلوب فتح أوسع حوار بين أجنحة اليسار العربي ، لإعادة تحليل وتركيب كافة القضايا التي تواجه واقعنا العربي ، من أجل نهوض بقوى اليسار العربي مجدداً ، ومن جهة أخرى تقتضي الأزمة المستعصية في الواقع العربي عموماً فتح باب الحوار أيضاً بين مختلف التيارات والحركات الفاعلة على اختلاف مشاربها الفكرية والأيديولوجية الماركسية, والديمقراطية، والقومية, والإسلامية المتنورة ، إذ رغم الاختلاف على المستوى الإيديولوجي مع التيار الإسلامي فنحن نميّز بين التيار الإسلامي المقاوم للمشروع الإمبريالي الصهيوني, حتى نتمكن من مواجهة المشروع الإمبريالي الصهيوني, ومواجهة التيار الظلامي الاستئصالي التكفيري الذي يرفض الحوار ويعتبر نفسه البديل المطلق لكافة التيارات الأخرى الفاعلة في الواقع العربي.