تلعب الأغنية الوطنية والسياسية في معارك النضال الوطني ، وتأجيج ثورات الشعوب ضد المحتلين والمستعمرين والمضطهدين ، وفي زمن الحروب ، دوراً نضالياً وتحريضياً مؤثراً وخلاقاً في شحذ واستنهاض وشحن الجماهير وتثويرها وإلهاب حماسها وتوجيه طاقاتها وجبروتها ، وبث روح الصمود والمقاومة والأمل في نفوس المقاتلين والمناضلين . فهي أيقونة الثورة وبمثابة النبوءة الثورية الشعبية ، وتشكل سلاحاً مهما في المعركة لأجل الانتصار .
وعبر مسيرة الثورة الفلسطينية الماجدة كان للأغنية الوطنية والسياسية الملتزمة الدور الكبير في نضالات شعبنا وانتفاضاته المتعاقبة ضد الاحتلال وموبقاته وممارساته التعسفية التنكيلية ، وكان لكلماتها القوية ونبراتها الحماسية الهادرة الأثر الهام في نفوس الشعب ومقاتليه . وقد ولدت هذه الأغاني الثورية الأصيلة المعبرة في الخنادق وسط المعارك ، وإبان العدوان الصهيوني على الثورة والمقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية في بيروت الصمود ، التي لا تموت ، وفي خضم الانتفاضة الشعبية الفلسطينية ضد المحتل ، وكان لها إسهام في توثيق الأحداث التاريخية التي مرت على شعبنا المشرد ووطننا الفلسطيني المسلوب وحركة تحرره الوطني .
ولا نزال نردد ونحفظ عن ظهر قلب أغاني فرقة "العاشقين" و"الأرض" و"الميادين" و"أبو عرب" ، وأناشيد مارسيل خليفة واحمد قعبور وخالد الهبر ومصطفى الكرد وجميل السائح ووليد عبد السلام ، وسواهم من رواد أغاني الثورة والالتزام السياسي الواضح ، التي تحاكي الواقع ، وجاءت تعبيراً حقيقياً عن الوجع الفلسطيني والحدث وتداعياته ، وفيها الكثير من الصور والأحاسيس الوطنية التي تلهب حماس الجماهير الغاضبة المتمردة والثائرة ، وتخاطب وجدانها ، وتحفزها على المشاركة في عمليات المقاومة .
وفي الحقيقة أن الأغنية الوطنية الفلسطينية شهدت تراجعاً في شعبيتها ودخلت في إجازة بعد توقيع إتفاق اوسلو ، لأن السلطة الوطنية الفلسطينية تعاملت مع هذه الأغنية كجزء من خطابها التعبوي السياسي والثقافي ، فتم إنتاج أغاني تتماشى وتساير المرحلة ومع السلام والحب والأمل والتعايش المشترك . ولكن هذه المرحلة الضبابية لم تدم طويلاً ، وسرعان ما شهدت الأغنية الوطنية مع انتفاضة الأقصى عودة قوية واحتلت مساحة كبيرة في الإذاعات والفضائيات ومواقع الشبكة العنكبوتية ، وظهرت أعمال غنائية وطنية عبرت وجسدت روح هذه المرحلة بكل تفاصيلها وملامحها .
واليوم ، وفي خضم الحرب الإجرامية العدوانية الدائرة في غزة بين المقاومة الوطنية الفلسطينية وبين قوات الغزو الإسرائيلي ، تغيب أغاني الحب والغرام ، وأغاني الخلاعة الاستعراضية والاستهلاكية التجارية الهابطة ، وتسطع من جديد أغاني الوطن والثورة والالتزام ، أغاني النهج الثوري التقدمي ، أغاني فيروز ، ومارسيل خليفة ، وأبو عرب ، والعاشقين ،، وأحمد قعبور ، وريم بنا ، وأمل مرقص ، وغيرها من الأغاني التي تبث وتزرع الأمل ، وتعمق الانتماء ، وتصون الهوية ، وتثير المشاعر الوطنية ، وتهز الوجدان الفلسطيني .