المتأمل في المشهد السياسي الفلسطيني الراهن يلحظ أن حالة الانقسام الداخلي بين حركتي "فتح" و"حماس" لا تزال قائمة وتراوح مكانها ، رغم الجهود الحقيقية الهائلة التي بذلتها وتبذلها القوى والأوساط الفصائلية الفلسطينية المختلفة غير المتورطة في هذا الانقسام ، بغية إنهاء الخلافات ورأب الصدع ، ووضع حد للتناقضات والتشرذم والفرقة في الساحة الفلسطينية ، لكن السنين تمر ، ولا تزال سلطتا "فتح" و"حماس" عاجزتين عن تنفيذ اتفاق المصالحة بينهما . وكنا على ثقة ويقين أن الحرب على غزة والجرائم الدموية التي ارتكبتها المؤسسة الاحتلالية الإسرائيلية بحق أبناء شعبنا في قطاع غزة ، وسقوط أكثر من 2500 شهيد ، والدمار الهائل الذي لحق بمخيمات البؤس والشقاء والتشرد الفلسطينية ، كل ذلك كفيل بوضع لحالة الخصومة والانقسام ودافع قوي لتحقيق الوحدة الوطنية المنشودة ، لكن كل هذه التوقعات والآمال تحطمت وذهبت أدراج الرياح .
وفي الحقيقة أنه رغم الانقسام الحاد والاتهامات المتبادلة في إطار الخلاف والصراع بين المشروع الوطني والمشروع الإسلامي السياسي إلا أن ذلك لم يدفع شعبنا الفلسطيني وفصائله إلى حرب أهلية إلا في خدود ضيقة ، وهذا إن دل على شيء فيدل على المسؤولية الوطنية والوعي السياسي ورقي الحس الوطني الفلسطيني وإدراك شعبنا لحقيقة أن أية مواجهة مسلحة بين الفصائل الفلسطينية هي خنجر في صدر شعبنا ونضاله التحرري ، ولن يخدم سوى الاحتلال ومشاريعه الاستيطانية ومخططاته الرامية إلى تصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة .
إن شعبنا يحتاج للوحدة الوطنية في هذه الظروف العصيبة القاهرة ، التي تتصاعد فيها المخططات الامبريالية والصهيونية الساعية إلى تجزئة وتقسيم الوطن العربي ، وفرض الهيمنة الاستعمارية على المنطقة ، وضرب المشروع الوطني الفلسطيني والقومي العربي التحرري ، وتكريس الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية المحتلة ، وتثبيت مشروع الدولة اليهودية .
وعليه ، هنالك أهمية بالغة لتخطي حالة التباعد والانقسام والصراع الداخلي وتعزيز اللحمة الوطنية الفلسطينية ، والعمل على استنهاض القوى الشعبية الفلسطينية الحية الفاعلة ، وحشد كل الطاقات الوطنية والثورية ، وبذل أقصى الجهود لوضع حد للانقسام الفلسطيني ، لما له من أبعاد وانعكاسات وأثار سلبية ضارة على الحركة الوطنية الفلسطينية والكفاح التحرري الاستقلالي الفلسطيني ، وتبني إستراتيجية وطنية فلسطينية موحدة ، وبلورة مواقف سياسية شجاعة وواضحة ، والتمسك بنهج المقاومة الشعبية ، لأجل مجابهة التهويد والاستيطان والمشروع الصهيوني الرامي إلى تصفية قضية فلسطين وفصل غزة عن الضفة .
فليدو الصوت الفلسطيني لإنهاء الانقسام وانجاز المصالحة الوطنية الحقيقية التي طال انتظارها ، والبدء بالتحضيرات لإجراء الانتخابات الفلسطينية وفق اتفاق المصالحة . إن المرحلة خطيرة والقادم أشد وأخطر ، وهذا يتطلب ويقتضي تعزيز وترسيخ الوحدة الوطنية الفلسطينية ، صمام الأمان في معارك التحرير والاستقلال الوطني.
شاكر فريد حسن