على مدار عدة أسابيع وعشاق كرة القدم في السعودية، وفلسطين على السواء عاشوا أجواء أزمة رياضية فنية وإجرائية، بشأن مباراة الفريقين الكرويين التي كان مقرراً لها أن تجري في رام الله في الملعب البيتي الفلسطيني، في مباراة الإياب لتصفيات إقليمية ودولية، وكان التخوف الأشد بشأن ما يمكن أن تعكسه هذه الأزمة من سلبيات على العلاقات الأخوية الإستراتيجية الراسخة، بين السعودية وفلسطين، فالأمر كان من الممكن أن يحدث لا سمح الله خدوشاً في النفوس، وحسرة في القلوب وتعكيراً للمياه الصافية، بين الشعبين الشقيقين وعشاق الرياضة فيهما، خصوصاً أن الإتحادين الكرويين فشلا وعجزا عن التوصل إلى حل ملائم ومناسب للأزمة، يجنب الإتحادين والشعبين الشقيقين ذيولها، متعللة بالنواحي الشكلية والإجرائية لنظام الفيفا، بعيداً عن الظروف الموضوعية، والمواقف المبدئية للطرفين، فلاشك في أن الأوضاع الأمنية القلقة والصعبة التي تعيشها الأراضي الفلسطينية المحتلة، جراء سياسات الإحتلال الصهيوني، من حواجز وإغلاقات وإعتقالات وإعدامات، تشكل مانعاً أمنياً موضوعياً يحول دون تأمين إجراء المباراة في أجواء وأوضاع أمنية طبيعية، وقبل كل ذلك الموقف المبدئي والثابت للمملكة العربية السعودية من الإحتلال الصهيوني لفلسطين، وهنا إسمحوا لي أن أتذكر لقائي مع أمير منطقة الرياض في يوم 05/09/1993م أي قبل توقيع إتفاق أوسلو في واشنطن يوم 13/09/1993م، وما دار فيه من حديث معه حفظه الله، حيث إستفسر حينها عما نشر في الصحافة من توقيع بالأحرف الأولى ((لإتفاق أوسلو))، حيث قدمت له عرضاً موجزاً عنه، وعما تمخضت عنه المفاوضات بين الوفد الفلسطيني والوفد الإسرائيلي من نتائج، منها التوصل إلى إتفاق مرحلي للحكم الذاتي، وما ترتب عليه من تأجيل لعدد من القضايا الأساسية إلى المرحلة النهائية للمفاوضات، وفي مقدمتها الحدود والقدس واللاجئين ..الخ، عندها كان تعليقه حفظه الله حرفياً ((أخ عبد الرحيم لسنا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين، لكن دولتنا تقوم على أساس العقيدة، والقدس جزء من العقيدة، وبالتالي لا أتخيل أو أتصور أن يكون هناك بين السعودية والكيان الصهيوني أي شكلٍ من أشكال التمثيلِ أو التطبيعِ والقدس محتلة ..))، أجبته حفظه الله وهذا هو المطلوب، ونقلت ذلك الموقف للقيادة الفلسطينية وعلى رأسها الأخ أبو عمار وأبو مازن وأبو اللطف، والذين ثمنوا هذا الموقف المبدئي تثميناً عالياً وأكدوا عليه، وأمير الرياض في ذلك الوقت هو خادم الحرمين الشريفين اليوم الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله، ولذا لم يكن موقف الإتحاد السعودي مجرد رغبة ذاتية في عدم القبول باللعب في الملعب البيتي الفلسطيني، بل يستند إلى سياسة ثابتة ومبدئية للمملكة العربية السعودية من التطبيع مع الكيان الصهيوني، طالما يواصل إحتلاله للأراضي الفلسطينية وفي مقدمتها القدس الشريف ...
من هنا كان يجب إدراك أسباب ودوافع موقف الإتحاد الكروي السعودي وتقدير تلك الدوافع والأسباب، والسعودية التي دعمت فلسطين وشعبها في جميع المجالات والميادين ومنها الرياضية، لا يمكن أن تنسى ما قام به رمز الشباب السعودي والعربي المرحوم الأمير فيصل بن فهد من دور رئيسي وفاعل في إستعادة فلسطين لمقعدها الرياضي في الإتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وما قدمته من دعم مباشر للرياضة في فلسطين، وعودة إلى الأزمة بين الإتحادين ووصولهما إلى طريق مسدود في حلها، كان العقلاء ينشطون على الجانبين للوصول إلى حل ينقذ الإتحادين من المأزق، وينقذ العلاقات الرياضية من أزمة مفتعلة، كان لا سمح الله سيكون لها الإنعكاس السلبي والخطير على العلاقات السعودية الفلسطينية الرياضية والشبابية وغيرها، وقد أثمرت تلك الجهود بعد الإتصال المباشر بين الأمير الشاب ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وفخامة الرئيس أبو مازن، في إنهاء الأزمة، وإنقاذ الإتحادين الفلسطيني والسعودي من تلك الأزمة دون أية خسائر أو أضرار، بل وتحقيق الفوز للعلاقات الأخوية بين الشعبين، وفي هذا الشأن لابد من ذكر دور سفير فلسطين بالمملكة الأخ باسم الأغا الذي لم يألو جهداً على كافة المستويات منذ بدء الأزمة إلى أن إنتهت نهايتها السليمة، والمرضية للشعبين وللقيادتين الشقيقتين المملكة وفلسطين، ففازت السعودية وفلسطين بعلاقاتهما الأخوية الإستراتيجية الراسخة، وخسر الوهم والواهمون والمتربصون بهذه العلاقات الأخوية، فالتحية كل التحية للأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي ولفخامة الرئيس أبو مازن، ولجميع الأخوة الذين بذلوا جهوداً مشكورة لتحقيق الفوز للسعودية ولفلسطين.
بقلم/ د. عبد الرحيم محمود جاموس