تعليقا على توريد غاز غزة إلى جنين.. مرة أخرى يطل الاحتكار بوجهه القبيح

بقلم: عمر شعبان

في وقت قد يكون تم إختياره بعناية حيث المعظم  الفلسطيني مشغول و منشغل بمتابعة الاخبار السياسية  ، و بهدوء شديد لا يتناسب مع خطورة الموضوع ، يتم الاعلان عن توقيع إتفاقية بين صندوق الاستثمار الفلسطيني ، بصفته الوصي نيابة عن الشعب الفلسطيني على  حقول الغاز الفلسطيني في سواحل قطاع غزة مع تجمع من شركات القطاع الخاص الكبرى  منها " صندوق الاستثمار الفلسطيني، وشركة (باديكو)، ومجموعة الاتصالات الفلسطينية ، ومجموعة البنك العربي، وشركة اتحاد المقاولين (CCC)و آخرين  لتوريد الغاز  الفلسطيني في سواحل قطاع غزة إلى محطة جنين في شمال الضفة الفلسطينية. لم يوضح الخبر  أي تفاصيل إضافية ذات قيمة ، فليس  واضحا كيف سيتم ضخ الغاز من بحر غزة إلى جنين ؟ أو  قيمة العقد  أو مدته ؟ وهل سيتم  تزويد قطاع غزة بالغاز ليس  ضمن الاتفاق ؟ و متى سيتم التنفيذ و غيرها من التفاصيل المهمة جدا.

يتوجب  التأكيد هنا أن موارد فلسطين الطبيعية و البشرية  هي من حق كل فلسطين بغض النظر عن موقع وجودها إو إكتشافها ، بل أن الحالة  الفلسطينية تستوجب تعزيز الترابط الاقتصادي بين  محافظات الوطن جميعا و تعزيز التبادل التجاري و الثقافي بينها بما يساهم في تعزيز الشعور الوطني.  كذلك نؤكد أن  توظيف الموراد الطبيعية في فلسطين لمصلحة شعبها و اقتصادها هو محمود جدا لتقليل الاعتماد المتزايد على الدول المانحة و تعزيز السيادة الوطنية ، لكن يجب أن يتم ذلك بشفافية تامة بما يحقق المصلحة العليا للمعظم الفلسطيني.

عودة للعقد ذاته الذي تشوبه الكثير من العيوب القانونية مما يجعله غير قانوني و يتوجب فسخه ، مثلا بعض  الشركات ذات العلاقه به  مثل صندوق الاستثمار و شركة CCC  صاحبة محطة توليد الكهرباء بغزة و صاحبة العقد الحصري الذي يمتد لعشرين عاما تمتلك حصة كبيرة في حقول الغاز و هي كذلك التي حصلت على عقد إنشاء و تشغيل محطة توليد الطاقة الكهربائية في شمال الضفة الغربية.  أي انهم يبيعون  لأنفسهم . العقد لم يعلن للعموم و لم يتم مناقشة بنوده مع المجتمع و لم يتم عرضه على المجلس التشريعي المتعطل من ثماني سنوات. العقد  يعزز حالة الاحتكار و الاستلاب التي تمارسها الشركات الكبيرة على الاقتصاد الفسطيني مما جعله أسيرا  لها .

مرة  أخرى  يتحالف رأس المال مع السلطة حيث تتداخل  المصالح والقضايا العامة في الكثير من المجالات على سبيل المثال لا الحصر الاسمنت و الكهرباء و البنوك و التأمين و الاتصالات و التبغ و غيرها من المجالات الحيوية  مع السلطة بمفاصلها المتعددة و آخرها  إعادة إعمار قطاع غزة . يحدث هذا منذ نشوء السلطة الفلسطينية مستغلة إنشغال المعظم في القضايا السياسية في البداية و مستفيدة بشكل كبير من حالة الانقسام لاحقا حيث وفر الانقسام الداخلي  فرصة ذهبية لهذه الشركات للسيطرة على  مفاصل الاقتصاد و المجتمع الفلسطيني.

لقد  دفع  الاحتكار بالمجتمع الفلسطيني إلى  حفرة الفقر و الحرمان و عمق الهوة بين  الاثرياء و باقي الشرائح في المجتمع الفسطيني و أضعف الطبقة الوسطى ،  رغم أهمية دورها في حفظ التوازن و الانسجام في المجتمع . الاحتكار كان و مازال أحد الاسباب الاساسية في  التدهور الاقتصادي و التراجع في مستويات المعيشة  للشعب  الفلسطيني و إضعاف روح  المنافسة  في  الاقتصاد الفلسطيني. الاحتكار يعطي مزايا  هائلة للأقلية المحتكرة على حساب آلاف الشركات  الصغيرة و الصغيرة جدا والتي تشكل    العمود الفقري للإقتصاد الفلسطيني .

إن تداعيات  هذا  العقد الاحتكاري  خاصة  اكثر من خطيرة و على أكثر من صعيد ،  ليس فقط على صعيد إستنزاف الموارد الطبيعية و تعميق حالة الاحتكار و الهوة بين الاثرياء و غالبية الشعب الفلسطيني. بل يتعداه  إلى ماهو أخطر و هو أن قطاع غزة  و مشاكله و مستقبله ليس على ضمن حسابات النظام السياسي الفلسطيني . قطاع غزة الذي  ينمو سكانيا بشكل كبير  و تتضخم مشاكله سيصبح غير قابل للحياة  خلال عدة سنوات حيث ما يشير إليه الواقع و التقارير الدولية أيضا.

إن تزويد جنين بالغاز الفلسطيني في البحر المتوسط خطوة إيجابية و وطنية جدا رغم الشك أن ذلك سيصب في صالح المواطن البسيط ، لكن قطاع غزة الذي يعاني منذ سنوات طويلة كارثة انقطاع الكهرباء و تأثيراتها المدمرة على جميع جوانب الحياة حاليا و مستقبلا من حقه أيضا أن  يكون على سلم أولويات الحكومة و صندوق الاستثمار الفلسطيني و النظام  السياسي برمته . خاصة أن  محطة التوليد التي شغلت عام  2000 قد تم تصميمها كي تتحول على الغاز الطبيعي لاحقا بدلا من البترول الصناعي المستورد من إسرائيل و الذي يشكل شراءه عبئا كبيرا على موازنة السلطة و المواطن . كذلك فإن  إستخدام الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء كفيل بتخفيض تكلفة الكهرباء  بشكل كبير. 

السؤال : ما هو موقف القوى السياسية من مثل العقد الاحتكاري  الذي يتم دون أي  رقابة من قبل المؤسسسات الرقابية الرسمية و الشعبية !  ما هو موقف السيد رئيس الوزراء الذي زعم بشكل قاطع قبل اسابيع قليلة أن  حكومته هي الاكثر شفافية في العالم حتى  من حكومات السويد و سويسرا و اليابان!

يبدو أن ما  كتبته قبل عدة سنوات كان صوابا:

ما أقرب غزة لنيجيريا رغم تباعد الجغرافيا ، نيجيريا من أكبر مصدري النفط في العالم و هي من أكثر  مناطق العالم فقرا، يموت مئات النيجيرون و هم يحاولون الحصول على بضع لترات من نفطهم الذي يتدفق من بين عيونهم و يعاني  المواطنون الفلسطينيون في قطاع غزة من إنقطاع الكهرباء و الغاز في حين ان حقول الغاز في  عرض المتوسط على مرأى منهم . لمزيد من المعلومات عن حقول الغاز في سواحل غزة يمكن الرجوع للمقال :

حقول الغاز في بحر غزة: ما أقرب غزة لنيجيريا رغم تباعد الجغرافيا

http://palthink.org/ar/?p=387

بقلم: عمر شعبان