مقدمة:
أعلنت حكومة الوفاق الفلسطينية أن إنتخابات المجالس البلدية في فلسطين ستجرى في أكتوبر القادم، وستكون للمرة الثانية دون محافظات غزة. وهو ما يمثل هروب من مواجهة الانقسام و تداعياته المدمرة . قد يكون مبررا نوعا ما أن تتم الانتخابات في المرة الاولى دون محافظات غزة تحت ظلال الانقسام السياسي، لكن ليس هناك ما يبرر مطلقا عدم إجرائها في وقت واحد في ظل حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت في بداية يونيو 2014. إن إعتراف الامم المتحدة و بعض الدول الغربية بفلسطين كدولة يلزم النظام السياسي الفلسطيني بالتصرف كدولة . كيف يقبل النظام السياسي بإنتخابات بلدية في جزء من الوطن في حين يطالب العالم بالتعامل معه كنظام لدولة !
فرصة لتعزيز المصالحة الشاملة:
أكاد أن أجزم أن إجراء الانتخابات البلدية في كلا المنطقتين يشكل فرصة كبيرة يجب إستغلالها لمواجهة تداعيات الانقسام و الفصل. خاصة مع سهولة إنجازها مقارنة مع إنتخابات المجلس التشريعي و الرئاسة وبما يمهد لهما و يخلق أرضية مؤهلة لتنفيذهما . إن إجراء الانتخابات البلدية في محافظات الشمال فقط يعني أن حكومة الوفاق الوطني قد تخلت طوعا عن جزء من صلاحيتها، و يؤكد ، بكل أسف أنها لاترى نفسها حكومة للكل الفلسطيني. في المقابل فإن إصرار حكومة الوفاق على إنتخابات بلدية في كلا المنطقتين سيعزز كثيرا من صورتها و سيضع جميع مكونات النظام السياسي في زاوية التساؤل في حال عدم تعاونها في تنفيذه . يكفي حكومة الوفاق الوطني شرف الاعلان و المحاولة إن لم تستطع تنفيذه . إضافة لكونه إستحقاق دستوري و حق شعبي فإن الإنتخابات البلدية على المستوى الوطني هو خطوة إضافية هامة لإستكمال جهود عملية المصالحة.
إن تواضع التقدم في إستكمال المصالحات المطلوبة في مجالات متعددة رغم توقيع إتفاق المصالحة و تشكيل حكومة وفاق وطني قد سبب الكثير من الاحباط و اليأس في المجتمع الفلسطيني . لذا فالانتخابات البلدية الموحدة يمثل فرصة ذهبية لتحقيق تقدم حقيقي في عملية المصالحة الطويلة و يعزز الامل بالوحدة الوطنية المتكاملة .
المصالحة البلدياتية في صميم المصالحة الوطنية :
إن مصطلحات مثل إنهاء الانقسام و المصالحة الوطنية و الوحدة الوطنية يشوبها الكثير من الغموض والميوعة. فما المقصود بالمصالحة الوطنية ؟ و ماهو الانجاز الذي ، إن تحقق يمكن القول وقتها أن المصالحة الوطنية قد حصلت فعلا؟ المصالحة الوطنية ليست محطة واحدة يسعى الجميع للوصول إليها و لن تتم بالضربة الواحدة ، بل هي عملية طويلة بها العشرات من المحطات الجزئية و المرحلية و التي قد تستمر سنوات عديدة. و لإن تداعيات الانقسام لم تنحصر في الانقسام السياسي ، بل تفشت إلى مستويات متعددة و متشابكة ، فإن مواجهة تداعيات الانقسام تتم عبر مجموعة متعددة من السياسات و الاجراءات و الانشطة المتواصلة المتراكمة . إن إية مجهودات تتم على المستوى الوطني هي عملية مصالحة فعلية, و إن كانت جزئية . فالكل يتكون من أجزاء و الوحدة الوطنية تتشكل من جهود متراكمة.
إن مواجهة و معالجة تداعيات الانقسام ليست عملية سهلة مطلقا ! لذلك يتوجب الاصطدام الدائم مع أسبابه وتداعياته والتصميم التام على مواجهتها . ليس هناك إجراء واحد فقط لتحقيق المصالحة أو الوحدة الوطنية ، و الدليل ان تشكيل حكومة الوفاق الوطني لم يكن كافيا . إن إجراء الانتخابات البلدية و مجالس الطلبة و النقابات و المؤسسات شبة الحكومية هي جهود فعلية تعزز من الوحدة الوطنية في مواجهة الانقسام ذي التداعيات المتعددة .
المجتمع الدولي سيدعم ذلك
حسب ما فهمت فإن المجتمع الدولي سيتلقى هذا الموقف سواء من حكومة الوفاق او من حركة حماس بترحيب شديد و سيعمل بكل جهده على المساعدة في تنفيذها عبر توفير الامكانيات المالية و الدعم الفني و الرقابة على عملية الانتخابات. للتذكير فإن قطاع البلديات هو الاقرب للناس من المسار السياسي و يفتح المجال للكثير من المؤسسات الدولية للعمل مع بلديات قطاع غزة في تنفيذ مشروعات بنية تحتية كبيرة بما يساهم في تخفيف الاوضاع الكارثية . إن إجراء الانتخابات في قطاع الحكم المحلي في قطاع غزة خاصة سيعيد الحياة للحالة الديمقراطية و سيعطي فرصة للمجتمع خاصة الشباب للمشاركة الفعلية في العملية السياسية و الديمقراطية . الاجيال الشابة التي لم تشارك في إنتخابات 2006 بسبب صغر سنها في ذلك الوقت ستمارس للمرة الاولى فرصة إختيار ممثليها في قطاع البلديات .
خطوات عملية مقترحة :
• تعلن حكومة الوفاق الوطني بشكل جلي أن الانتخابات البلدية ستتم في محافظات الشمال و الجنوب في ذات اليوم. مثل هذا الاعلان سيضع جميع الاطراف أمام مسؤوليتها الوطنية و أمام إختبار حقيقي أظن أن الجميع سيسعى للنجاح فيه.
• تعلن حركة حماس و القوى السياسية كافة عن إستعدادها للتعاون و التسهيل لإجراء الانتخابات في قطاع غزة بشكل مواز مع تلك في المحافظات الشمالية.
• تجعل منظمات المجتمع المدني و التجمعات الشعبية و الشبابية ، التي لم تتوقف عن المطالبة بإنهاء الانقسام من هذا الهدف أولى اولوياتها .
• تضع لجنة الانتخابات المركزية و بالتشاور مع الجهات الرسمية و الشعبية خطة عمل لإجراء الانتخابات في دولة فلسطين و الضمانات المطلوبة لتنفيذها.
ليكن نحو إنتخابات بلدية فلسطينية شاملة" هو الاولوية في 2016 .
عمر شعبان
مايو 2016 .