شكّل المؤتمر محطة لكباش سياسي ودبلوماسي بين الإدارة الأمريكية والكيان الإسرائيلي المحتل وحلفائهما من الدول يعاونهم بعض الموظفين الأجانب الكبار في الوكالة، وهذا الفريق ينظر إلى وكالة "الأونروا" بعين الإفتراء على أنها داعمة للإرهاب وتدعو لقتل اليهود وأنها تشكل عقبة أمام مشروع التسوية، وبين الإتحاد الأوروبي ودول أعضاء في الأمم المتحدة ودول مانحة ومعهم أيضا موظفين كبار في الوكالة، وهذا الفريق ينظر إلى "الأونروا" على أنها حاجة إنسانية ضرورية وعامل إستقرار في منطقتنا العربية، والكباش بين الفريقين على المستوى الإستراتيجي لا يزال في بداياته.
تأسست "الأونروا" وفقاً للقرار 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، وارتبط قرار التأسيس بعملية إقتلاع وطرد ثلثي الشعب الفلسطيني من بيوتهم إبان النكبة عام 1948 ومن ثم ضرورة توفير إحتياجاتهم الإنسانية في المخيمات إلى حين العودة وبالتالي تحولت الوكالة إلى الشاهد على جريمة التهجير وعلى هذا الشاهد أن يبقى حياً لزوال سبب وجوده. لا يحق لأي كان إنهاء عمل الوكالة أو التعديل في سياسة عملها إلا الجمعية العامة، والتأييد الذي حظيت به الوكالة بتصويت 167 دولة على تجديد ولايتها لثلاث سنوات جديدة إبتداءً من كانون الأول/ديسمبر 2016 يعطي قوة إعتبارية إنسانية وسياسية دولية لأهمية دورها وعملها وإستمرار تقديم خدماتها لحوالي 6 مليون لاجئ فلسطيني مسجل في مناطق عملياتها الخمس.
حقق الفريق الأول الذي يدعو إلى إنهاء "الأونروا" هدفاً ساخناً في مرمى الفريق الثاني واستطاع في الجولة الأولى أن يحقق إنجازاً بإفشال الهدف المعلن لمؤتمر روما الذي عقد في 15/3/2018 لتأمين مبلغ 446 مليون دولار لسد العجز المالي للوكالة، بالحصول على أقل من ربع المبلغ المطلوب (100 مليون دولار)، مما سبب خيبة أمل للاجئين والمتضامنين مع حقوق الشعب الفلسطيني، وعملياً بعدها مباشرة بدأت الجولة الثانية والتي من المتوقع أن يحقق الفريق الأول هدف آخر أشد وأقوى من الأول إن لم يتم تدارك الموقف والعمل على تشكيل سد منيع يستطيع ليس فقط أن يرد الخصم، وإنما أن يحقق أهدافاً ويهز الشباك لمرات في المرمى الآخر.
المقلق في المؤتمر، بأن الإتحاد الأوروبي ارتضى ومعه دول مانحة ودول أعضاء في الأمم المتحدة بأن يتم التضحية بمصالحهم وبأمنهم كرمى لرؤية ما يريده ترامب نتنياهو من تحولات في المنطقة، وهذا عملياً سيسهل في المستقبل المزيد من فرض الشروط والإملاءات على تلك الدول وممارسة المزيد من سياسة الإستغلال والإبتزاز والتهديد والوعيد.
حتى الآن ليس هناك من مؤشرات إيجابية جدية واضحة فلسطينية رسمية تستعد للجولة الثانية، وتستحضر خطورة مستقبل حوالي 6 مليون لاجئ، وكيف سيكون الحال عليهم على المستوى الإنساني والسياسي والفوضى الأمنية التي يمكن أن تحدث، إلا أن حجم المعلومات ومستوى الوعي الذي حققه المؤتمر عن "الأونروا" وأهمية وجودها وارتباطها بقضية اللاجئين سواء على مستوى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية وكافة المتضامنين، ربما لم يكن ليتحقق تحت أي ظرف آخر، لذلك بتقديرنا هي فرصة ذهبية للبناء عليها لمرحلة ما بعد المؤتمر التاريخي وكيف يمكن لنا كفلسطينيين أولاً وكمتضامنين أن نستثمر هذا الدعم الكمي والنوعي لحماية الوكالة وضمان إستمرارية تقديم خدماتها إلى حين العودة.
هدف الإدارة الأمريكية والإحتلال ليس "الأونروا" بذاتها وإنما العين الكبرى على قضية اللاجئين وحق العودة الذي يشكل العقبة الثانية بعد القدس والذي يعتقد معسكر ترامب نتنياهو بأنه من الضرورات الإستراتيجية إزالة الملفات العالقة عن طاولة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قبل البدء بالجولة الجديدة التي يجري التحضير لها في الغرف المغلقة.
معركة الضغط على الدول المانحة للأونروا مستمرة وتقودها بشكل رئيسي وزارة خارجية الإحتلال وتشرف عليها شخصياً نائبة وزير الخارجية التي اجتمعت مع سفراء كيانها في 22 كانون الثاني/يناير 2018 وأطلقت عنوان دبلوماسية الإحتلال للعام 2018 بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وبأن عهد "الأونروا" قد انتهى إلى الأبد.
الشراهة السياسية لرؤية نتنياهو ترامب لكسب المزيد من النقاط لن يتوقف عند نقل السفارة الأمريكة إلى القدس المحتلة بعد الإعتراف بها عاصمة لكيان الإحتلال وإستهداف قضية اللاجئين والعودة من خلال "الاونروا" تمهيداً لفرض مضامين "صفقة القرن" التي يجري الحديث عنها والتي أولى معالمها سيكون تصفية القضية الفلسطينية، لا بل ستتعداها حتماً لإعادة تشكيل المنطقة العربية بمجملها والجميع سيدفع الثمن. لذلك إفشال خطط نتنياهو ترامب سواء على مستوى القدس أو اللاجئين وإنقاذ "الأونروا" سيضع العصي في دواليب الصفقة وسيعرقلها، وبقدر الوعي الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي لخطورة المرحلة ومواجهة السيل الجارف بقدر بدء مرحلة عالمية جديدة عنوانها إنهاء الإحتلال واسترجاع الحقوق والمقدسات.
بقلم/ علي هويدي