التحديات وفرص النجاح للحكومة الجديدة !!!

بقلم: رامي الغف

إن المتابع للشأن السياسي والقريب من صناع القرار يدرك ان تشكيلة الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور محمد اشتية في طريقها الى الاكتمال عند اول مناسبة تتفق فيها القوى والفصائل والاحزاب المختلفة وتبدأ بعدها الحكومة مكتملة في اداء مهامها بمواجهة الكثير من المشاكل والتحديات.
والسؤال: هل هناك فرق بين الحكومة الحالية والحكومات السابقة؟ وهل ستصمد الحكومة الجديدة وتستمر بعملها رغم عظم التحديات؟.
لا شك ان لكل حكومة تحديات ومهام ومؤيدين ومعارضين، وان نسبة المعارضين تزداد مع تلكؤ الأداء الحكومي وتكبر نسب المؤيدين مع نجاح الحكومة وارضائها للمواطن بتلبية حاجاته وطموحاته.
وان كان التحدي الاكبر الذي تواجهه الحكومة الجديدة هو خطوتها الاولى التي يجب ان تكون ناجحة في تحقيق انجاز مهم ولافت عجزت عنه الحكومات السابقة.
لقد تعاقبت أكثر من حكومة بأنواعها وأشكالها على ادارة الشأن الفلسطيني، والحقائق تشير الى حالات إخفاق قي المجالات السياسية والاقتصادية والتعليم والصحة، والجانب الأوضح هو التلكؤ في مراعاة حقوق الشعب في أمواله وحقوقه القانونية وما شابه، والحقيقة هناك خلل في هذا الجانب، ينبغي معالجته بدقة، أما ما هو هذا الخلل، فكما يرى الخبراء أن الامر لا يتعلق بجانب محدد بل عدة جوانب من حيث التخطيط والادارة والتنفيذ، ومن ثم الشروع الفعلي في القضاء على الفساد، كما نطالب دائما ومرارا وتكرارا، فمن المعروف أن الادارة الناجحة هي إحدى أهم الركائز التي يتطلبها بناء الدولة التي تتساوى فيها الحقوق مع الواجبات، وتنمو فيها الكفاءات، وتأخذ دورها كما يجب، وتُحفظ فيها الحريات كافة، وتُضمن فيها حرية الرأي والاعلام والفكر، ويُكفل التعايش والتعددية، في اطار دولة المؤسسات، فلا يمكن بناء دولة حديثة ناجحة، من دون وجود إدارة ناجحة وسياسة متوازنة مجربة.
إن المواطن لا يريد من الحكومة الجديدة إصلاحات مكتوبة على الورق او شعارات او أطروحات نظرية، كل حكومة تأتي إلى السلطة في فلسطين ترفع شعار الإصلاح وتحمل برامج إقتصادية وتنموية وتأهيلية وعمرانية، وكأنها العصا السحرية التي ستحقق حلم الرفاهية للمواطن الفلسطيني الذي تتجاذبه الأزمات من كل مكان (أزمة معابر، أزمة كهرباء، أزمة مياة، أزمة تعليم، أزمة سكن، أزمة صحة، أزمة بيئة، أزمة سياسية، أزمة أمنية، أزمة مالية وإقتصادية، وأزمة فقر وبطالة وجوع وهجرة ونزوح...الخ).
إن المصير الوطني والجماهيري وديمومة النظام والعملية السياسية الفلسطينية برمتها مرتبط بمصير هذه الحكومة، بل ان المصير الفلسطيني برمته مرتبط، الى حد كبير بمصير هذه الحكومة، ولذلك فانها لا تمتلك خيارا الا ان تنجح لينجح معها الوطن والمواطن الفلسطيني، الذي سيتحول بهذا النجاح الى نموذج يحتذى الجميع.
فبماذا يا ترى، ستنجح الحكومة الجديدة؟ وباية ادوات ووسائل؟
اولا: ستنجح الحكومة اذا كان بامكان رئيس الوزراء اقالة الوزير الذي لم يثبت كفاءته ونزاهته وقدرته على العمل والإبداع والانجاز، من دون ان يعطل فصيل او حزب هذا الوزير، هذه القدرة التي يجب ان يتمتع بها رئيس الحكومة لنقول بان الوزراء وزراءه وليس وزراء القوى والفصائل والاحزاب.
ثانيا: كما انها ستنجح اذا مارست أمانه مجلس الوزراء كامل صلاحياتها في الرقابة عليها، فتحاسب وتعاقب وتستجوب وتحجب الثقة عمن تراه مقصرا او مسوفا او فاشلا، وزيرا كان ام برنامجا، لا فرق، من دون ان تتعرض أمانه الوزراء للضغوط المعرقلة من قبل قوى وأحزاب المستهدفين من الوزراء، اما اذا ظلت أمانه الوزراء مشلولة اليدين لا تقوى على الرقابة، ولم يكن بامكانها ان تستجوب وزير بسبب دفاع حزبه عنه، فانها ستفشل في هذه الحالة في اداء نصف مهمتها ان لم اقل كلها، لان الأداء سوف لا يكون صحيحا اذا غابت الرقابة، فالرقابة والتوجية برأيي، جناجان لا يطير المجلس الوزاري الا بهما معا، اما اذا جرب ان يطير بواحد منهما فسيسقط حتما.
ثالثا: لقد ثبت للجميع ان المشكلة في الوطن الفلسطيني الاولى تكمن في انعدام (الامانة) عند البعض ممن تصدى للمسؤولية، اما الكفاءة والخبرة والتجربة وغير ذلك فامور تاتي في الدرجة الثانية، والا، الم يتصد للكثير من الوزارات السابقة وزراء يحملون اعلى الشهادات والاختصاصات؟ فلماذا فشلوا اذن؟ فالامانة هي العنصر الاهم في المنظومة المطلوبة لتحقيق النجاح.
رابعا: إن كل تجارب النجاح اثبتت ان اول صفة يجب ان نبحث عنها في المسؤول هي (الامانة) ثم بقية الصفات المطلوبة لكل موقع من مواقع المسؤولية، فالامانة هي القاسم المشترك الذي يجب ان يجتمع عليه كل المسؤولين، وهو القاسم المشترك الذي تجتمع وتتراكم عنده النجاحات، فبالامانة يمكن ان يعوض المسؤول عن اي نقص آخر في شخصيته، اما اذا فقد المسؤول صفة الامانة فان اية صفة اخرى لا يمكن ان تعوضها ابدا، وبالمناسبة فان الامانة والصدق توءمان سياميان لا ينفصلان، فالصادق امين، والعكس هو الصحيح، فالامين صادق وصدوق، وبالصدق والامانة يكسب المسؤول ثقة الناس.
وتأسيسا على ذلك، فأنا أرى أن أول خطوة يجب أن يتخذها رئيس مجلس الوزراء وكذلك الحكومة الجديدة، هو تأسيس لجنة مختصة لملاحقة الفاسدين، من اجل انزال اشد العقاب بحقهم، والعمل على اعادة كل الحقوق الى نصابها، خاصة المال العام الذي يجب ان تسترده.
خامسا: على الحكومة الجديدة ان تبحث هي عن الفقراء والمقهورين والمسحوقين والمظلومين، فان فيهم الكثير ممن لم يتمكن من الوصول الى المسؤول لعرض مظلوميته، اما بسبب تعففه او بسبب حواشي المسؤولين وبعض جلاوزتهم الذين لا يتمكن المظلوم من اقتحام عيونهم وتحطيم اسوارهم للوصول الى غايته.
سادسا: واخيرا، فان الحكومة الجديدة بحاجة الى بذل كل ما في وسعاها من اجل تفعيل دور المستشارين في كل مفاصلها، فإن الوزير قائد في موقعه، مهمته الاولى ادارة الوزارة في عملية توازن دقيقة بين الواقع والطموح من المشاريع من جهة، وبين ما هو متاح من الاموال المرصودة من الميزانية العامة للدولة من جهة اخرى، من اجل التقليل من العبء الذي يتحمله كاهل المواطن، ومن اجل النهوض بالواقع الى مستويات افضل واحسن، وكل هذا لا يمكن ان يضطلع بمسؤوليته الوزير لوحده، بل ان عليه ان يعتمد على مستشارين مهمتهم الوحيدة هو تقديم الدراسات اللازمة والافكار الخلاقة لكل مشروع تنوي الوزارة تنفيذه.
هنا اود ان اشير الى نقطة في غاية الاهمية، الا وهي ان في الشعب الفلسطيني الكثير جدا من العقول والخبرات والكفاءات، سواء في داخل الوطن او خارجه، الا ان ابتلاء فلسطين بمبدا المحاصصة ضيع الكثير جدا من الفرص عليه للاستفادة من هذه الخبرات، كما انه اضاع الفرص امام هذه الخبرات لخدمة الوطن وشعبه، ولذلك فانني ارى ان يصار الى تشكيل لجنة خاصة مرتبطة بشكل مباشر برئيس الوزراء مهمتها البحث عن الخبرات والكفاءات والاستفادة منهم كمستشارين، كل واختصاصه، من اجل تقديم افضل الاستشارات للنهوض بفلسطين الذي تنتظر الكثير جدا من الافكار الخلاقة والجهود لتحقيق النجاحات المطلوبة.
إن الفترة القادمة تتطلب من رأس الحكومة الجديدة تفعيل جدي لدور القوى المجتمعية الفاعلة التي تجمعها قيم ومصالح واحده، ليكون دورها مكمل لدور الحكومة، حيث تعمل على نقل الجماهير الى جبهة الرقابة والمسؤولية وبالتالي تشجع على ترسيخ قيم المبادرة لدى الجماهير في إيجاد آليات تشخيص الإنحرافات في الممارسات الاقتصادية والإدارية والمالية لفعاليات أجهزة الحكومة، وتشتمل هذه على النقابات المهنيه والجمعيات الأهلية ومنظمات المرأة والشباب وغيرها.
على رأس الحكومة الجديدة وكذلك الوزراء تشجيع طواقمهم على إبداء إجتهادات لتطوير العمل وتقوية الأداء في حدود التكليف، وأن يعرض كل ذلك على الجهات المختصة للنظر فيه ومناقشة جدواه تمهيدا لقبوله أو تعديله أو رفضه، لديمومة العمل على تنفيذ الخطط المرسومة بروح الفريق الواحد.
إن أمام الحكومة الجديدة صعوبات كبيرة وخطرة، ولكن ليس لها خيار غير خيار النجاح والنصر والوصول بطموحات الجماهير الى بر الامان، ففلسطين فلسطيننا ومسؤولية بناء مؤسساتها والحفاظ عليها مسؤوليتنا جميعاً، مسؤولية الجميع الشرعية والأخلاقية والوطنية والتاريخية ولا مجال للتنصل من ذلك.
نحن نثق أن الصمود الفلسطيني بقيادتها وجماهيرها سينتصر، ولكن الحراك والتغير والتعاون من الجميع سيختصر الكثير من التضحيات وسيساهم في اختصار الوقت وتعزيز النتائج.
نتمنى للحكومة الجديدة وللقيادة والجماهير والدولة الفلسطينية غدا أفضل وحياة سعيدة ونظاما مستقرا يسوده العدل ويعم فيه السلام.

آخر الكلام:
اذا ما تظافرت جهود الحكومة الجديدة وأعادت تفعيل الجهات الرقابية يمكن تسجيل هدف نظيف يضاف في لوحة النجاح الفلسطينية.


بقلم/ رامي الغف*
*إعلامي وباحث سياسي