" ومضات فلسطينية " هو الديوان الشعري الثالث لشاعرنا المخضرم ، الطاعن في السن ، المربي المتقاعد ، الأستاذ صادق صبيحات ، المقيم في قرية رمانة بمحافظة جنين ، الذي أهداني إياه مشكورًا .
وكان قد صدر له سابقًا ديوان " الأخوين الشهيدين " وديوان " صرخة الأقصى " .
جاء الديوان في 64 صفحة من القطع المتوسط ، ويضم مجموعة كبيرة من القصائد التي كتبت في مناسبات مختلفة . وأهداه إلى الابطال الشهداء الذين نذروا دماهم ولبّوا النداء ، وإلى شرفاء الوطن ، وإلى القدس وارض الرباط .
وقدم له أ. د فيصل حسين غوادره ، أستاذ الأدب والنقد في جامعة القدس المفتوحة بجنين ، مشيرًا إلى أن الشاعر صبيحات " يعطي الأولوية والأهمية الكبرى وفي سائر دواوينه للقدس الشريف وأقصاها المبارك ، ومكانتهما في قلبه وعقله ووجدانه ، وفي مشاعر العرب والمسلمين جميعًا " . ويرى " أن مشاعر الشاعر الفياضة ، وألفاظه المعبرة ومعانيه السامية ، وصوره الجميلة ، كل ذلك حاول بثه في قصائده ، حتى تتخذ من السهولة والوضوح مع الجزالة المقبولة منهجًا يسير عليه الشاعر في كل قصائده وأشعاره ".
والديوان يحتوي على قصائد وطنية واجتماعية ومناسبات وبكائيات ورثائيات لشهداء الوطن الابرار ولأعزاء وأحبة غابوا عن الدنيا والعيون ولكنهم بقيت ذكراهم في القلوب ، وومضات من القدس والخليل وحيفا وعكا وجنين وصفد والجرمق العالي .
وتداهمنا قصائد حول الوطن ، والهموم والقضايا الوطنية ، والقدس والأقصى ، ويوم الشهيد ، وشهر رمضان الفضيل ، وتحية لطاقم تلفزيون فلسطين ، وللدكتور ناصر اللحام ، وأخرى لابنة فلسطين الأبية الصبية عهد التميمي .
ثم يأتينا بمنوعات شعرية اجتماعية قيلت في مناسبات مختلفة ، فيحيي مديرة ومعلمات مدرسة الشهيد باسم صبيحات الثانوية للبنات ، ومعالي وزير التربية والتعليم العالي صبري صيدم ، والأخ أمين السويطي ، وأحفاده الناجحين بالثانوية العامة ، ورئيس وأعضاء مجلس قروي رمانة ، وحفيدته الغالية ، والحاج فارس حسين وابنتيه الغاليتين بشرى أم عاطف ، والشيخ راتب أسعد الرفاعي امام مسجد رمانة وأحد طلابه النجباء وغيرهم .
وفي باب الرثاء نراه يرثي ويؤبن ويبكي المرحوم نافع صبيحات أبو ابراهيم ، والمرحوم الحاج ابراهيم صبيحات ( أبو محمد ) من بلدة سالم في طلعة عارة ، وابن العم الأستاذ المرحوم رفيق توفيق صبيحات ، وطيب الذكر المرحوم الأستاذ حلمي صبيحات .
وهناك قصيدة مؤثرة كتبها لزوجته الحاجة ام باسم والدة الشهيدين باسم وحسين صبيحات ، يتجلى فيها التقدير والوفاء لشريكة حياته وعمره التي قاسمته العيش بمره وحلوه ، والآن تعاني السقم والأوجاع والأمراض ، ونلمس فيها مشاعره الانسانية الدافئة الصادقة ، حيث يقول :
ستون عاماً قد مضت بهمومها
تلك الهموم بحرقة أرويها
قدمت للأوطان خير أحبتي
لو جُدت في نفسي فما أجزيها
فالاحتلال يتيه في عدوانه
مستوطنوه طغوا وعاثوا فيها
سرطانه نهمٌ بكل وقاحة
والأخطبوط قضى على أرضيها
إن الشهادة تاج فخر دائما
( أم الشهيدين افتخرنا فيها )
( هيا بنيّ لأمكم كونوا لها )
( خفض الجناح برحمة يرضيها )
إن السقيم إذا تداعت نفسهُ
يحتج من في حضنه يؤويها
ما زلت خير من اقتدى بمحمد
دومًا أضحي عنكمو أغنيها
في الليل أسهر مؤنساً وممرضاً
وأجسّ نبضًا ممسكاً أيديها
حتى غدوت مثيلها في ضعفها
خارت قواي وقلّ أجري فيها
قوما بواجبكم ولا تترددوا
نعم المطيع لأمه يجزيها
يا دهر لا تنكأ جراحي بعدما
كاد الزمان بمرهم يشفيها
يا دهر أثخنت الجراح فلا تكن
دوماً بكل قساوةِ تدميها
يا رب فارحمنا بحق محمدٍ
إياك ندعو أنت يا كافيها
ومن خلال قراءتنا لقصائد الديوان تظهر روح شاعرنا الإنسانية والوطنية والقومية والعروبية ، واعتزازه بفلسطينيته ، وتمسكه بهويته ، وحبه لأبناء شعبه المناضلين والمقاومين والشرفاء ، الذين يذودون عن كرامة وحرية وحياض الوطن ، فلنسمعه يقول :
أرضي فلسطين هدَّمتم منازلها
عثتم فساداً بأرض القدس والحرم
وكذا المذابح في أهلي ممنهجةٌ
ونرى الحرائق في ( دوما ) لمنتقم
يا مدَّعون بملك الأرض غطرسة
فالأرض ملكي ( بطابو الأرض من قدم )
( نحن الأصول وملَّاكٌ لتربتها )
( من نخب نوح وأولادها من الأمم )
وكما تلاحظون ، فشاعرنا (أبو باسم ) يعتمد القصيدة العمودية الموزونة والقوافي والسجع والكنايات والاستعارات والطباق ، في كتابته الشعرية .
ديوان " ومضات فلسطينية " سهل وبسيط وواضح بأسلوبه ولغته وتعابيره وأبعاده ، ورغم التباين والتفاوت في مستوى القصائد والصور الشعرية ، إلا ان ما يميز نصوصه بشكل عام ، الصدق والعفوية واللحظة الانفعالية ، ويبدو الشاعر صريحًا ، مباشرًا ، متوترًا ، منفعلًا ، وغاضبًا على المحتل والزعامات العربية المتواطئة معه .
وإنني إذ أحيي شاعرنا الجليل صادق صبيحات ، وأتمنى له العمر المديد ودوام التوفيق والعطاء في مجال الشعر .
بقلم : شاكر فريد حسن