السودان.. من المسؤول عن تعطيل إطلاق “الإعلان الدستوري“؟

بقلم: فؤاد محجوب

عطّلت قوات «الدعم السريع» شبه العسكرية، التي يقودها الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، جهود الوساطة الأفريقية الإثيوبية للتوصل إلى توافق بين تحالف المعارضة المدنية والمجلس العسكري بشأن الإعلان الدستوري، وسط خشية من التصعيد الذي قد يعني العودة إلى المربع الأول مُجدّداً. فقد أرجأت قوى «الحرية والتغيير» مفاوضاتها مع المجلس العسكري التي كان من المقرر انطلاقها (30/7)، إلى أجل غير مسمى، وذلك بسبب أحداث الأبيّض التابعة لولاية شمال كردفان وسط السودان، التي قُتل فيها خمسة تلاميذ بالرصاص الحيّ لقوات حميدتي.

وجاءت «مجزرة الأبيّض» إثر مسيرة طلابية (29/7)، جرت رفضاً لتقرير لجنة التحقيق في فض اعتصام وزارة الدفاع، واحتجاجاً على الغلاء وانقطاع الكهرباء وشحّ بعض السلع، واجهتها قوات الدعم السريع بالقوة ورصاص القناصة، ما أدى إلى سقوط العشرات من الضحايا بين قتيل وجريح. وأعلنت لجنة أطباء السودان المركزية أن القتلى خمسة أشخاص، فضلاً عن عشرات الجرحى، بينهم 21 أصيبوا بطلقات نارية.

وحمّلت «الحرية والتغيير» المجلس العسكري المسؤولية عن الأحداث، وقالت إنّ التلاميذ سقطوا «برصاص قوات من الجيش والدعم السريع»، وحثت على معاودة الاحتجاجات في جميع الولايات، بينما دعا «تجمع المهنيين»، وهو قوة رئيسية في الحراك الاحتجاجي، أنصاره إلى «الخروج للشوارع في مواكب هادرة تنديداً بمجزرة الأبيّض، والمطالبة بتقديم الجناة للعدالة ونقل مقاليد الحكم لسلطة انتقالية مدنية».

ونُقل عن مصادر قريبة من قوى المعارضة أنّ الحوارات والتنازلات مع المجلس العسكري يبدو أنها لا تنفع، ويجب إعطاء الأولوية للحراك الثوري وممارسة الضغوط على «العسكر» للوصول إلى نتائج إيجابية، داعية إلى إخلاء الشوارع من مظاهر الانتشار الأمني.

البرهان يدين «الجريمة»

ولفت انتباه المراقبين ما أدلى به الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري، حيث أعرب عن أسفه وحزنه لسقوط قتلى في الأبيّض، مؤكداً أن «مقتل المواطنين السلميين غير مقبول ومرفوض»، وما حدث «جريمة مرفوضة تستوجب المحاسبة الفورية والرادعة».

ويشير كلام البرهان إلى استعداده لتحمل المسؤولية كاملة، والرغبة في امتصاص الغضب المتنامي حيال مجلسه، وعدم إيصال الأمور لطريق مسدود يؤثر على المفاوضات، ويضع المجلس العسكري في مواجهة جديدة مع الشارع.

وأشار مراقبون إلى الدلالة التي تنطوي عليها الأحداث، عقب شروع المجلس العسكري في تفكيك هياكل الدولة العميقة في الجيش مؤخراً، وقيامه بحملة اعتقالات طالت قيادات عسكرية وسياسية كبيرة، على خلفية محاولة الانقلاب الرابعة التي جرت أخيراً. ونوّه هؤلاء إلى وجود قوى تسعى لتعطيل التفاهم بين المجلس العسكري وائتلاف «الحرية والتغيير»، ولاحظوا إصدار المجلس العسكري وثيقة حول «الإعلان الدستوري» مختلفة عمّا تم التفاهم عليه مع القوى المدنية.

وأفضت هذه المعطيات كلّها إلى مفاقمة التعقيدات السياسية القائمة أصلاً، وخصوصاً أنها عطّلت مسار التسوية الذي انطلق عقب التوقيع على الاتفاق السياسي، وسط خشية من عودة الحوارات السودانية إلى نقطة الصفر، كما أعادتها أحداث فضّ الاعتصام أمام القيادة العامة.

«الإسلاميون» مشروع «انقلاب دائم»!

وشهد السودان حملة اعتقالات متواصلة لقيادات في الجيش والأمن محسوبة على «الإسلاميين» والنظام السابق، منذ إعلان قيادة الجيش إحباط محاولة انقلابية (24/7). وقال محللون إنّ عناصر «الحركة الإسلامية» التي تتحكم في مفاصل رئيسية داخل المؤسستين العسكرية والأمنية، (إضافة إلى تواجدها وسيطرتها على «ميليشيا مسلحة» شبه نظامية، ناهيك عن دورها الحيوي في مجال الاقتصاد والمال والهيئات التابعة للدولة العميقة في السودان)، تسعى عبر المحاولات الانقلابية إلى تخريب «الاتفاق السياسي» الذي تمّ إعلانه أخيراً بشأن تقاسم السلطة بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، وسط تحركات نشطة يقوم بها أتباع الرئيس المعزول عمر حسن البشير في الشارع، وبث معلومات مغلوطة لتعطيل التفاهمات بين القوى السودانية.

وكشفت الاعترافات التي أدلى بها الفريق أول هاشم عبدالمطلب رئيس هيئة الأركان، الذي قاد المحاولة الانقلابية الأخيرة، عن خطورة تغلغل العناصر الإسلامية في الجيش طوال العقود الثلاثة الماضية، فالرجل لم يخف أنه عضو في الحركة الإسلامية منذ التحاقه بالجيش، ولم يَحُلْ تاريخه السياسي دون إسناد مهمة رئاسة الأركان المشتركة إليه.

وأضاف المحللون إنّ قيادات المجلس العسكري تعلم مخططات ومرامي هذه العناصر، لكنها تتجنب الدخول في تفاصيلها حالياً مع كثرة وتشعب الملفات المطروحة، وتركيزها على «التخلص من الامتدادات الإسلامية في المؤسسة العسكرية أولاً». وهي عملية تحتاج لكثير من الصبر والوقت، كما تقول، بعد «مرحلة طويلة كان السباق فيها قوياً للتفاخر بالانتماء إلى التيار الإسلامي، كوسيلة للترقي والحصول على مكاسب نوعية وأداة للصعود السياسي».

وعلى رغم تراجع فرصة «الانقلاب على الانقلاب» وخسارتها الكثير من زخمها العملي، بعد انكشاف المحاولات العديدة التي جرت، والتعجيل بتسريح قيادات مشكوك في ولاءاتها الوطنية، إلا أنّ فرصة الجماعات الإسلامية ما زالت قائمة ومتوفرة من خلال النفوذ الذي تتمتع به في الأوساط الدينية وقدرتها على المنافسة في أية انتخابات قادمة، وهو ما يزيد من أهمية وضرورة مواجهتها ومحاكمة ومحاسبة فلول نظام البشير؛ في الحركة الإسلامية وغيرها، وجعل من هذا الأمر «هدفاً مركزياً» ينبغي أن تلتف حوله كافة قوى الحرية والتغيير والمعارضة المدنية.

بقلم/ فؤاد محجوب