توقف المراقبون طويلاً أمام وصف الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، ليلة المسيّرات الإسرائيلية في أجواء الضاحية الجنوبية بأنه أمر «خطير جداً جداً جداً» وتأكيده أن الحزب لن يقف بعد اليوم مكتوف الأيدي، وأنه سوف يتصدى لمثل هذه المسيّرات، إن هي اخترقت الأجواء اللبنانية. كما وصف الغارة الإسرائيلية على أحد مواقع الحزب، في عقربا، قرب دمشق، بأنه عدوان، لن يقف الحزب مكتوفاً بعد اليوم إذا ما تكرر وطال مواطنين لبنانيين، من الحزب أو غيره.
كما توقف المراقبون أمام مخاطبة نصر الله لجنود الاحتلال، بالوقوف على «رجل ونصف»، في حالة تأهب لما سوف يأتي، وإنذاره لسكان إسرائيل من اليهود أنهم «لن يشعروا بعد اليوم بالطمأنينة والهدوء» مادام رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو يحاول أن يلعب بالدماء العربية والدماء الإسرائيلية، للعودة إلى رئاسة الحكومة في الانتخابات القادمة.
وكانت مسيّرتان إسرائيليتان قد اقتحمتا سماء الضاحية الجنوبية في بيروت (25/8/2018)، تولت الأولى، كما أفصح حزب الله، استطلاع الهدف، بينما تولت الثانية استهدافه بعمل تفجيري انتحاري، أدى إلى تحطيم المسيّرة، وإحداث أضرار مادية في المحيط، من بينه مركز العلاقات العامة لإعلام حزب الله في شارع معوض، في الضاحية الجنوبية.
سبق ذلك غارة إسرائيلية استهدفت منزلاً لحزب الله في عقربا، قرب دمشق، أدى إلى استشهاد اثنين من عناصر الحزب.
وبعد قليل من خطاب نصر الله (25/8/2019) قامت طائرات إسرائيلية في يوم الاثنين (26/8/2019)، باستهداف موقع عسكري للجبهة الشعبية القيادة العامة، قرب بلدة قوسايا على الحدود اللبنانية السورية في البقاع اللبناني.
المراقبون وصفوا ما جرى بأنه تطور جديد، أدخل تعديلاً على قواعد الاشتباك، في المنطقة، بشكل خاص بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله. وأن تحذير الأمين العام للحزب لن يكون مجرد رد لفظي مجاني، بل هو حتماً سوف يعبر عن نفسه بخطوات عملية، يعتقد المراقبون أن من بينها استهدافه، منذ اليوم فصاعداً، طائرات الاستطلاع المسيّرة التي تطلقها إسرائيل في الأجواء اللبنانية، خاصة وأن المصادر تجمع على أن الحزب يمتلك السلاح اللازم لذلك.
ويعتقد المراقبون أن نصر الله وهو يطلق إنذاره، إلى دولة الاحتلال، كان يدرك الحالة السياسية اللبنانية، لذلك، قطع الطريق على أية مواقف مغايرة، داعياً «الطرف الآخر» في لبنان، ولمنع انجرار البلاد إلى خلافات جديدة، أن يطلب إلى الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل، لوقف أعمالها العدوانية والاستفزازية للبنان، علماً أن رئيس الجمهورية اللبنانية، العماد ميشال عون التقى في موقفه مع نصر الله حين وصف ما جرى بأنه عدوان سافر على لبنان.
المراقبون يتساءلون في أي منحى تندرج التطورات الأخيرة، وما الذي دفع نتنياهو للقيام بعدوانه على الضاحية، وللمرة الأولى، منذ أن توقفت العمليات القتالية بين لبنان وإسرائيل، العام 2006، بموجب القرار 1701.
هل يندرج ذلك في سياق معركته الانتخابية، كما قيل، من أجل كسب المزيد من الأصوات، حتى ولو أدى ذلك إلى تفجير الوضع في المنطقة؟، أم يندرج في إطار خطة متكاملة تستهدف القوى الحليفة لإيران، في العراق وسوريا ولبنان فقد تكررت العمليات العدوانية «الغامضة» على معاقل ومستودعات الحشد الشعبي في العراق، وعلى مواقع، تقول إسرائيل، إنها إيرانية في سوريا، بما في ذلك الغارة الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت بيتاً لحزب الله، وصفته مصادر العدو بأنه موقع لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وأن هذه الخطة تمت بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة، خاصة وأن بومبيو، وزير خارجية إدارة ترامب، سارع مباشرة بعد الأعمال العدوانية الإسرائيلية إلى تأييد ما وصفه «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها».
في الخلاصة، لا يختلف المراقبون على أن المنطقة باتت أمام مرحلة جديدة، تغيرت فيها قواعد الاشتباك، وقد تصل، كما قال نصر الله، «إلى حافة الهاوية»، بل ربما إلى الهاوية، في ظل توتر يسود منطقة الخليج، ومحاولات أوروبية تتولاها باريس لتنزع فتيل الانفجار.
فأيهما سيكون أسرع. وأي مسار سوف يتغلب على الآخر: مسار نزع الفتيل، أمام مسار إشعال كل الفتائل دفعة واحدة؟.
بقلم/ فؤاد محجوب