أقلعت حكومةَ عبد الله حمدوك السودانية بعملها، في وقت تنتظرها فيه الكثير من التحديات والملفات الصعبة والحساسة في بلد يعاني من أوضاع صعبة، لعلّ عناوينها الأبرز هي؛ تعافي الاقتصاد ووقف الحرب وتحقيق السلام في مختلف أقاليم وربوع السودان.
وكان حمدوك أعلن تشكيلته الوزارية التي ضمّت 18 وزيراً، بينهم 14 رجلاً و4 نساء، فيما أرجأ تعيين وزيري الثروة الحيوانية والبنى التحتية، لمزيد من التشاور. وغلب على الوزراء الطابع الأكاديمي والكفاءة استناداً إلى خبراتهم الطويلة في مجالات عديدة داخل وخارج السودان، فيما يتطلع السودانيون إلى نجاح هذه الحكومة في قيادة البلاد إلى بر الاستقرار والنهوض.
وضمّت الحكومة أربع نساء شغلن حقائب الخارجية والتعليم العالي والشباب والرياضة والرعاية الاجتماعية. ولاقى هذا التمثيل النسوي ترحيباً واسعاً في أوساط النساء. وكان حمدوك أشاد خلال المؤتمر الذي أعلن فيه حكومته (5/9)، بدور المرأة في الثورة، مُبدياً حرصه على «ضمان تمثيل أوسع للمرأة في هياكل الدولة»، من دون أن يستبعد أن يؤول منصب حاكم الخرطوم إلى امرأة.
وعُيِّن عسكريان، دفع بهم المكون العسكري في «المجلس السيادي» (وفق الاتفاق المقر)، لحقيبتي الدفاع والداخلية؛ الفريق أول جمال الدين عمر لـ«الدفاع»، حيث كان يشغل رئيس «لجنة الأمن والدفاع» في المجلس العسكري، وسبق له وعمل رئيساً لـ«هيئة الاستخبارات العسكرية» في 2017، وأميناً عاماً لوزارة الدفاع. في ما أوكلت «الداخلية» إلى الفريق الطريفي إدريس دفع الله الذي شغل مناصب عدة في قوات الشرطة، وتلقى عدداً من الدورات داخل السودان وخارجه.
ومن أبزر وجوه الحكومة، إبراهيم البدوي الذي عُيّن وزيراً للمالية والاقتصاد في الحكومة الانتقالية. وكان يشغل منصب مدير مركز السياسات والبحوث الاقتصادية بمجلس دبي الاقتصادي منذ 2009. وقد انتخب مؤخراً لمنصب المدير التنفيذي لمنتدى البحوث الاقتصادية للدول العربية وإيران وتركيا، وسبق أن التحق بالبنك الدولي منذ العام 1989 وحتى 2009.
خطة اقتصادية إسعافية
وفور مباشرة عمله، أعلن البدوي إطلاق «خطة إسعافية» مدتها 200 يوم لتحقيق «التعافي الاقتصادي»، بدأها بحملة شرسة ضد تجار العملة الذين نفذت اعتقالات واسعة بحقهم، بعدما كانوا يمارسون عملهم بحرية وفي وضح النهار. وتهدف خطة البدوي، التي تشتمل على خمسة محاور، إلى «معالجة الاقتصاد الكلي وإعادة هيكلة الموازنة، واتخاذ إجراءات ناظمة وجزائية لكبح جماح الأسعار وتثبيتها... ومعالجة مشكلات البطالة وتوفير فرص عمل للشباب».
وفي ما رأى محللون أن هذه الإجراءات لن تحلّ الأزمة، إنما هي حلول مؤقتة، ينتظر الشارع السوداني أن يقطف ثمرات ثورته على أرض الواقع، ويتلمّسها في وضعه المعيشي، ولا سيما مع استمرار الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية وندرة مواد الطاقة، فضلاً عن انخفاض أسعار الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية.
وأضاف المحللون أنّ مهمة البدوي، ومن ورائه الحكومة، تبدو في غاية العسر والصعوبة، فإلى جانب إصلاح الاقتصاد، عليهم مكافحة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، كذلك العمل على إلغاء الإعفاءات الجمركية والضرائبية والتسهيلات المالية الممنوحة لأفراد ورجال أعمال ينتمون إلى النظام السابق، فضلاً عن تصفية شركات استثمارية تعمل تحت مظلّة الوزارات، ولا تخضع لقوانين العمل.
حكومة أكاديميين وكفاءات
وإلى ذلك، اختير المهندس عادل علي إبراهيم، وزيراً للطاقة والتعدين. وهو حاصل على بكالوريوس العلوم قسم جيولوجيا من جامعة الخرطوم. وعمل في قطاع النفط والتجارة لدى العديد من الشركات في دول عدة، كما عمل في شركات تعمل في مجال النفط بالسودان منها «بترودار» و«بتروناس».
ووقع الاختيار على مدني عباس مدني، عضو الوفد المفاوض لقوى إعلان الحرية والتغيير، وزيراً للتجارة والصناعة في الحكومة الجديدة. ويُعدّ مدني من أبرز وجوه الثورة السودانية، وشارك في المفاوضات مع المجلس العسكري الانتقالي الذي استلم السلطة عقب عزل البشير.
واختير ياسر عباس محمد، وزيرا للري والموارد المائية. وهو خريج جامعة الخرطوم قسم الهندسة المدنية، وحصل على الماجستير والدكتوراه من معهد «أي.آتش.دي» في هولندا. وعمل خبيراً بالأمم المتحدة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. ووقع تعيين الدكتور عيسى عثمان شريف، وزيراً للزراعة. وهو دكتور في الزراعة، وعمل في عدد من المنظمات الدولية العاملة في مجال التنمية والزراعة.
انتقاد لوزير الدفاع الجديد!
وأبدى كثيرون استنكارهم لاختيار وزير الدفاع الجديد، آخذين عليه الزمالة التي تربطه مع رئيس «المجلس السيادي»، الفريق أول عبد الفتاح البرهان (إذ تخرجا معاً من الكلية الحربية)، وقالوا إن «الرجل ضعيف القدرات ولا يستطيع الإشراف على هيكلة الجيش وإصلاحه»، حسب مصدر عسكري، اعتبر أن وراء قرار تعيينه البرهان رغبة منه في أن يكون طوع إرادته.
ولفت المصدر إلى أن المؤسسة العسكرية تعاني من «وهن شديد، لأن النظام البائد عمل على تجريدها من وطنيتها، وجعلها مؤسسة حزبية أشبه ما تكون بالذراع العسكرية لحزب المؤتمر الوطني»، ولذلك، ورد في «الوثيقة الدستورية» نصّ صريح على أن من مهمات المرحلة الانتقالية وضع برنامج لإصلاح مؤسسات الدولة «بصورة تعكس استقلاليتها ووطنيتها»، على أن تُسند مهمة إصلاح الجيش إلى المؤسسات العسكرية، وفق القانون.
ومن التعقيدات التي ستواجه عمر وجود مليشيات مسلحة كـ«قوات الدعم السريع» التي كانت خاضعة لقانون القوات المسلحة، حتى أصدر البرهان قراراً قبل أسبوعين قضى بإلغاء المادة 5 من قانون «الدعم السريع» الخاصة بالخضوع لأحكام قانون القوات المسلحة، علماً أن إلغاء تلك المادة يعني أن «الدعم السريع» ستحتكم للقانون الخاص بها، وبالتالي عدم دمجها في القوات المسلحة والاحتفاظ بها كقوات موازية للجيش. وسبق أن ورد في «الدستورية» أن قانون القوات المسلحة و«الدعم السريع» ينظم علاقة المؤسسة العسكرية بالسلطة التنفيذية، وأن القوتين تتبعان للقائد العام للقوات المسلحة، وهما خاضعتان للسلطة السيادية.
ضمّت الحكومة السودانية أربع نساء هنّ؛ أسماء عبد الله التي تولت «الخارجية»، وهي أول امرأة في تاريخ السودان تستلم هذه الوزارة السيادية والحسّاسة، التي بقيت حكراً على الرجال منذ أن نال السودان استقلاله عام 1956. ولن تكون مهمة أسماء يسيرة، حيث يعوّل السودانيون عليها كثيراً لتأسيس علاقات منفتحة مع الجميع، ولمحو الصورة السلبية التي ترسّخت في أذهان العالم حول السودان، مع مراعاة مصلحة السودان والسودانيين.
والسلك الدبلوماسي ليس جديداً على أسماء، فسبق لها وعملت في وزارة الخارجية، وتدرّجت في المهام حتى وصلت إلى درجة وزير مفوّض، وشغلت منصب نائب مدير دائرة الأميركيتين في وزارة الخارجية، كما عملت في المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم «إيسيسكو».
وكان أول ما عمله البشير، بعد تنفيذه الانقلاب الذي أوصله إلى الحكم عام 1989، هو فصلها من العمل، تحت عنوان «الفصل للصالح العام من الخدمة المدنية»!!.
أما المرأة الثانية، فهي البروفيسورة انتصار الزين صغيرون التي عُيّنت وزيرة للتعليم العالي، وهي حاصلة على دكتوراه في علم الآثار، وشغلت منصب عميد كلية الآداب بجامعة الخرطوم. ومعروف عن أسرتها اهتمامها بالعلم والمعرفة، حيث سبق لوالدها وعمل وزيراً للريّ في حكومة جعفر نميري (1969 ـــــ 1985).
المرأة الثالثة، هي لينا الشيخ عمر، وعُيّنت وزيرة للتنمية الاجتماعية والعمل، حاصلة على شهادة الماجستير في الاقتصاد من كلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية من جامعة مانشستر ببريطانيا. عملت منسقة ومستشارة للسودان لدى مكتب الأمم المتحدة للاتفاق العالمي، وهي أكبر شبكة عالمية معنية بتقييم المسؤولية الاجتماعية للشركات. وعملت بصفة «مسؤول أول» في برنامج «منظمة كير العالمية» (منظمة تعاونية للمساعدة والإغاثة في كل مكان، مقرها جنيف).
المرأة الرابعة، ولاء عصام البوشي (33 عاماً)، وهي أصغر أعضاء الحكومة سناً، أسندت إليها وزارة الشباب والرياضة، وهي حاصلة على إجازة في الهندسة من جامعة الخرطوم، وماجستير في الهندسة الميكانيكية من جامعة «إمبريال كولج لندن». وسبق أن عملت مستشارة لبناء القدرات في «برنامج القادة الشباب» في «مركز جسر للتنمية»، ومنظمة «فرديرش آيبرت». وهي أيضاً باحثة في مجال سياسات الطاقة في الجزائر، إضافة إلى عملها في جامعة السودان كمحاضرة في كلية النفط.
بقلم/ فيصل علوش