"لا يوجد سعادة بالنسبة لي أكثر من حرية موطني "
" لست ملزما أن تكون شاعرا عظيما،لكن ملزم ان تكون مواطنا عظيما"
أَكْرِمْ أخاكَ بأرضِ مَوْلِده .. وأمدهُ من فِعْلكَ الحَسَنِ .. فالعزُ مطلوبٌ وملتمسٌ .. وأَعَزُّهُ ما نِيْلَ في الوَطَنِ ( علي الجرجاني)
الحديث عن الجنسية الفلسطينية يقتضي الحديث عن نشأتها وتطورها. ذلك ان واقعها وما الت اليه التطورات السياسية والقانونية في فلسطين منذ انفصالها عن الدولة العثمانية حتى الوقت الحاضر. فالجنسية يمكن كسبها من الناحية القانونية اما بواسطة الوالدين او احدهما او من خلال مكان الولادة كما يمكن كسبها بالزواج او المكوث في دولة ما فترة طويلة او من خلال التجنس الجماعي منه حصول الفلسطينيين في الاردن بالاضافة الى الانظمة والقوانين الخاصة بكل دولة من الدول والتي تشترط بعض الشروط الخاصة وبالتالي فان العلاقة الرئيسية بين المواطن والدولة تحدد بعلاقة قانونية وعلى الرغم من ان فلسطين منذ عام 1923م تعيش مسالة السيادة المنقوصة.
وعدم وجود حكومة وطنية مستقلة باستثناء حكومة عموم فلسطين الا انه كله لم يؤدي فقدان الفلسطينيين لجنسيتهم فاستناداً الى القانون الدولي فان الدولة ناقصة السيادة تحتفظ بكيانها الخاص وبملكيتها لاقليمها كما يحتفظ سكانها بدعوتهم الخاصة بهذا الاقليم.
عاش سكان فلسطين تحت الحكم العثماني بصفتهم مواطنين وقد نظم قانون الجنسية العثماني لسنة 1869 حقوقهم وواجباتهم , وبقي سكان فلسطين من الناحية الرسمية خلال الفترة الممتدة بين عام 1917 / 1922 حاملين للجنسية العثمانية ولكن بعد ان انسلخت فلسطين عن الدولة العثمانية , وبالذات بعد معاهدة لوزان والتي تضمنت نصوصاً خاصة لتبديل الجنسية الفلسطينية عام 1924م واكتسب جميع سكان فلسطين الجنسية الفلسطينية يوم سريان المعاهدة في 6/7/1924 وقد تضمن القانون المذكور قواعد الحصول على الجنسية الفلسطينية وواجبات وحقوق المواطن. لقد بقي السكان الفلسطينيين متمتعون بالجنسية الفلسطينية طيلة فترة الانتداب البريطاني لفلسطين . ولكن بعد رحيل الانتداب البريطاني عن فلسطين وانشاء اسرائيل بعد حرب عام 1948 بقي جزء من الفلسطينيين من اقليم فلسطين تحت الحكم العسكري الاسرائيلي كفلسطينيين على ارضهم حتى حصلوا على الجنسية الاسرائيلية فيما بعد والتي لم تعطيهم حقوق المواطنة الكاملة لغاية الان.
وبالتالي فان هذا الاحتلال اثر في الجنسية الفلسطينية سواء للذين بقوا في اراضيهم عام 1948 او للذين هجروا عنها واصبحوا لاجئين فهؤلاء اللاجئين تختلف جنسيتهم من بلد الى اخر فعلى سبيل المثال اصبح اللاجئين الذين استقروا في الضفة الغربية والاردن يحملون الجنسية الاردنية بينما في سوريا لبنان والعراق يحملون وثائق سفر هذه الدول ولا يحملون في ذات الوقت جنسية هذه الدول ويعاملون معاملة الاجانب. اما دول الخليج فأنها تعامل الفلسطينيين معاملة الاجانب ولاتمنحهم وثائق سفر. وتعاملهم حسب وثيقة سفر الدولة التي يقيم بها اللاجئين. لقد اكدت الامم المتحدة بقرارها 194 الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة سنة 1948 بحق العودة للاجئين الراغبين في العودة الى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم ووجوب دفع تعوضات عن ممتلكات الاشخاص غير الراغبين بالرجوع.
واكدت الجمعية العامة للامم المتحدة مرة ثانية على عودة وتعويض اللاجئين بتاريخ 22/11/1974 بقرار رقم 3236 والذي اكد في مادته الثانية على حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في العودة الى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها في مقابل ذلك فان جنسية اللاجئين في القانون الدولي حسب الاتفاقيات الدولية ذات الصلة ان هؤلاء الاشخاص عديمي الجنسية وبالتالي لا يتمتعون بالحقوق التي يتمتع بها الوطن ولكن تجدر الاشارة الى ان المنظمة الدولية لحقوق الانسان تعتبر الجنسية حقاً من حقوق الانسان وبالتالي لا يجوز اجبار اي شخص للتنازل عن جنسيته.
اما الجنسية الفلسطينية الضفة الغربية وغزة في السنوات التي تلت احتلال اسرائيل لجزء من الاقليم الفلسطيني فقد طبقت عليها الجنسية الاردنية على سكان الضفة الغربية وبقي سكان قطاع غزة يتمتعون بالجنسية الفلسطينية, ولكن اجبرت اسرائيل سكان الضفة وغزة على حمل الهويات الاسرائيلية اما فيما يخص جنسية المواطن الفلسطيني في القدس فقد بقوا يتمتعون بالجنسية الاردنية وابقت اسرائيل على جوازات السفر الاردنية بحوزة المواطنين هناك, فعلى الرغم من ضم القدس لاسرائيل واعتبارها عاصمة موحدة الا ان اسرائيل لم تمنح المواطنين جنسيتهم ولكنها منحتهم بطاقات الهوية الاسرائيلية التي تعطيهم حق الاقامة اما فيما يخص النازحين والذين رحلوا عن ديارهم بفعل حرب عام 1967 فقد تمتعوا بالجنسية الاردنية فيما يخص سكان الضفة والفلسطينية فيما يخص سكان غزة ولكن جميعهم فقدوا حق الاقامة في هاتين المنطقتين ولم يعود الا جزء بسيط منهم ما يعرف بلم الشمل.
اما المواطنين الفلسطينيين المقيمن في الضفة الغربية بعد فك الارتباط القانوني والاداري بين الضفة الغربية بتاريخ 31/7/1988 فقد اعتبروا مواطنين فلسطين لاسيما المقيمين منهم قبل هذا التاريخ وبالتالي فقد اصدرت الاردن جوازات سفر مؤقتة لمدة عامين للمواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية.
اما في الوقت الحالي وخاصة بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية على بعض اجزاء من الضفة وقطاع غزة فقد منح الفلسطينيون المقيمين على الاراضي الفلسطينية بالاضافة الى كوادر منظمة التحرير الفلسطينية والذين حصلوا على رقم وطني يؤهلهم للعودة للضفة الغربية وغزة على جوازات سفر وهويات فلسطينية والتي تؤكد الجنسية الفلسطينية لحامله وغني عن القول ان سكان القدس الفلسطينيين لا يستطيعون الحصول على الوثائق الفلسطينية مع انهم شاركوا في الانتخابات الرئاسية والتشريعية اخيراً . لقد رأينا انه منذ معاهدة لوزان مروراً بانسلاخ اقليم فلسطين عن الدولة العثمانية وفرض الانتداب عليه من قبل بريطانيا واحتلال اسرائيل لبعض اجزائه في العام 1948 وضم الاردن للضفة الغربية وادارة مصر لقطاع غزة واحتلال اسرائيل في العام 1967 لباقي اجزاء الاقاليم وتالياً قيام السلطة الوطنية الفلسطينية على بعض الاجزاء من الضفة الغربية وغزة كل هذا وذاك اثر على الجنسية الفلسطينية بفعل التوارث لجنسية قائمة لحين قيام الدولة الفلسطينية المستقلة والتي في نهاية المطاف الى حل من شأنه ان ينهي عقود من التوارث لجنسية الفلسطينيين نوعا من الاستقرار على صعيد الجنسية.
بعض القضايا الشائكة بشأن المواطنة / فلسطينيا:
- استمرار تدخل الاحتلال في الهويات وجوازات السفر وشهادات الميلاد.
- سحب الهويات ومنحها والاغلاقات ومنع التنقل واغلاق الجسور والمطارات والحدود وغير ذلك.
- عدم منح السلطة الوطنية جوازات لسفر اللاجئين والنازحين والمقيمين في الدول العربية او الشتات بشكل عام، وعدم عودة الاجئين والنازحين وطرح التوطين بدل العودة والتعويض.
- بطء التحول الى الحياة المدنية بسبب وجود الاحتلال على اجزاء من الضفة الغربية وغزة.
- الاوضاع غير مستقرة لجهة المواطنة.
بقلم : د. حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت