نحو تطوير الأداء الفلسطيني لمواجهة تحديات صفقة القرن

بقلم: خالد محمد صافي

د.خالد محمد صافي

لا زل الأداء السياسي الفلسطيني يدور في فلك الاستجابة الضعيفة للتحديات القائمة. ووفق نظرية المؤرخ البريطاني أرنولد تونبي في تفسير التاريخ فإن الأحداث التاريخية تصنع بين نظرية التحدي والاستجابة. ولذلك فإن المشروع الصهيوني يشكل تحديا، والمشروع الوطني الفلسطيني يشكل استجابة. وكل ما يحدث منذ أكثر من مائة سنة هي أحداث بين التحدي والاستجابة. وحيث إن الاستجابة حتى الأن أضعف من التحدي فإن المشروع الصهيوني يتقدم والمشروع الوطني الفلسطيني يتراجع. لذلك لابد من تبني رؤية فلسطينية واضحةجامعة، ولنقل هنا مثلا الميثاق الوطني الفلسطيني الذي ما زال يشكل العقل الجمعي الوطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج أي الشتات. ويمكن وضع تعديلات عليه لا تمس جوهر الميثاق كونة ميثاق حركة تحرر وطني لجميع فئات الشعب الفلسطيني.
 وأن يتم ذلك من خلال إصلاح وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية بإدخال فصائل جديدة تكونت في ثمانينيات القرن العشرين، وأصبح لها حضورا سياسيا وعسكريا وشعبيا، وواقعا نضاليا تراكم عبر السنوات الماضية مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي، مع ضرورة إدخال بعض رؤى تلك الحركتين في الميثاق الوطني الفلسطيني لكي يشكل العقل الجمعي للشعب الفلسطيني بكل مكوناته. وأن يتم تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية بكل مؤسساتها التي تراجعت في السنوات الماضية لصالح تغول سلطة حكم ذاتي للأسف تحولت إلى سلطة وظيفية ضعيفة بعد فشلها في قيادة المشروع الوطني نحو دولة فلسطينية مستقلة على حدود ١٩٦٧م وعاصمتها القدس الشريف. وتحولها إلى أقل حتى من سلطة حكم ذاتي وفق اتفاقيات أوسلو بسبب إعادة سلطات الاحتلال مناطق السلطة في عام ٢٠٠٢م، وتغول سلطات الاحتلال في مناطق أ. ب. سياسيا وأمنيا وإداريا.
وبالتالي اقتصرت صلاحيات سلطة الحكم الذاتي في صلاحيات خدماتية لا تتعدى صلاحيات شبه بلدية مما أعطى الجانب الاسرائيلي حرية التفرغ للعمليات الاستيطانية في القدس والضفة الغربية. ومنحه ميزة واقعية كاحتلال خمس نجوم بدون تكلفة أمنية اقتصادية إدارية على أرض الواقع. ومن هنا يجب إعادة تصويب الوضع الفلسطيني بإعادة هيكلة وظيفة السلطة من خلال حكومة تكنوقراطية. ونقل كل الشأن السياسي إلى منظمة التحرير الفلسطينية. وتفعيل مؤسساتها السياسية مثل المجلس الوطني والمركزي والصندوق القومي... الخ.
والفصل بين قيادة السلطة وقيادة المنظمة بحيث تكون السلطة أداة تنفيذية في يد منظمة التحرير الفلسطينية التي تقود الداخل والخارج. وتشكل البيت الفلسطيني الجامع لكل الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده. وعند ذلك يجب وضع أستراتيجية فلسطينية تنبثق من الميثاق لتحديد ما هو استراتيجي في الثوابت الفلسطيني وما هو تكتيكي في الأداء. وينبثق عن هذه الاستراتيجية برنامجا سياسيا توافقيا. يتم من خلاله وضع كل بند من بنود الاستراتيجية في صورة برنامجا سياسيا يضم كافة مناحى المشروع الوطني الفلسطيني سياسيا وعسكريا واقتصاديا وماليا وإداريا. بحيث يستند على أساس استخدام كل الوسائل الممكنة من أجل تحرير فلسطين وإقامة الدولة المستقلة.
 وهذا يتطلب حشد الكل الفلسطيني وراء هذا البرنامج التي يجب أن يكون توافقيا يلبي رؤية العقل الجمعي الفلسطيني بخصوص المشروع التحرري. وبعد وضع هذه المشروع التوافقي كمسودة يتم الدعوة لانتخابات من أجل اختيار أفضل الأشخاص الذين يمكن أن ينفذوا ويراقبوا تنفيذ هذا البرنامج السياسي. ولذلك تكون هناك انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، والمجلس المركزي بحيث يتم الجمع بين القيادات التاريخية التي اثبتت كفاءتها، ومهنيتها وعمق عقيدتها الوطنية والنضالية وبين القيادات الشابه، ويراعى كذلك الطاقات النسوية ... ألخ.
 وبتم اختيار لجنة تنفيذية جديدة للعمل على تنفيذ البرنامج اسياسي. ويقوم المجلسين الوطني والمركزي بإقرار البرنامج السياسي وإدخال التعديلات اللازمة ليشكل خارطة طريق للعمل خلال الفترة القادمة. كما يحدث في الوقت ذاته انتخابات للسلطة الوطنية رئاسية وتشريعية. ويكون هناك برنامج عمل إداري للسلطة ولا دخل لها باليرنامج السياسي الذي يكون من صلاحية منظمة التحرير الفلسطينية. ويتم تشكيل حكومة تكنوقرط للسلطة، ويكون المجلس التشريعي رقيبا على أدائها. وأيضا يتم تقييم أدائها من قبل المجلسين الوطني والمركزي.
 يمكن من خلال كل ما ذكر إعادة تصحيح مسار الأداء السياسي لفلسطيني لمواجهة تحديات الواقع وعلى رأسها الأن صفقة القرن. فصفقة القرن تحدي للنيل من القضية الفلسطينية وهزيمة الطموح الفلسطيني، ولذلك لابد من أن تكون الاستجابة على قدر التحدي. وألا تكون السياسية الفلسطينية وليدة ردود الأفعال الموسمية، وأن يقترن الخطاب السياسي الفلسطيني بالفعل على الأرض بعد أن فقد مصداقيتة في العقدين الماضيين.
وأن يجمع الأداء الفلسطيني بين المقاومة بكل أشكالها والمفاوضات. فكلاهما أداوات للتحرير وليس غاية بجد ذاته. إذ من خلال الجمع بينهما يتم حل إشكالية الانقسام في الساحة لفلسطينية بين تيار مقاوم فقط وتيار مفاوض فقط. فلا بد من مقاومة تزرع ومفاوضات تحصد.

أ.د. خالد محمد صافي

المصدر: قدس نت -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت