كثيرٌ من السياسيين والمهتمّين والمتابعين للملف الفلسطيني-الإسرائيلي لم يقفوا عند مبادرة سلام فلسطينية طرحها الرئيس “أبو مازن” أمام مجلس الأمن منذ حوالي سنتين، وتحديدًا في العشرين من فبراير عام 2018.
ومن ثم، قد يكون من المفيد إعادة التذكير بهذه المبادرة وبنودها وآلياتها والتي وصفها الرئيس الفلسطيني أمام المجلس بأنها خطة سلام شاملة لحل القضية الفلسطينية.
لن أتعرض في هذا المقال لأية تفصيلات تتعلق بخطة السلام الأمريكية التي طرحها الرئيس “دونالد ترامب” مع رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” في الثامن والعشرين من يناير الماضي، ولن أتطرق أيضًا إلى أية مبادرات أو رؤى أو خطط سلام أخرى بما فيها مبادرة السلام العربية المطروحة منذ 18 عامًا، وذلك بهدف إتاحة المجال فقط أمام قراءة متأنّية لهذه الخطة الفلسطينية.
ثم سأنهي المقال بمحاولة مبسطة للتعليق عليها، وتحديد مدى إمكانية الاستفادة منها.
1- الإطار العام للخطة الفلسطينية
تتضمن الخطة عقد مؤتمر دولي للسلام يستند إلى قرارات الشرعية الدولية بمشاركة دولية موسعة تشمل إسرائيل وفلسطين والأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة، وعلى رأسها أعضاء مجلس الأمن الدائمون والرباعية الدولية، على أن يسفر هذا المؤتمر عن ثلاث نتائج رئيسية
الأولى، هي قبول فلسطين عضوًا كاملًا في الأمم المتحدة. النتيجة الثانية، هي الاعتراف المتبادل بين دولتي فلسطين وإسرائيل على حدود 1967.
النتيجة الثالثة، هي تشكيل آلية متعددة الأطراف لمساعدة الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني لحل جميع قضايا الوضع الدائم (القدس، الحدود، الأمن، المستوطنات، اللاجئون، المياه، الأسرى)، وتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه خلال فترة زمنية محددة وبضمانات محددة.
2- الإجراءات أحادية الجانب:
ويشمل ذلك توقف جميع الأطراف عن اتخاذ الأعمال أحادية الجانب خلال فترة المفاوضات، خاصة ما يؤثر منها على حل قضايا الوضع النهائي، لا سيما الأنشطة الاستيطانية، مع تجميد القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وكذا عدم انضمام فلسطين إلى بعض المنظمات الدولية التي سبق أن التزمت بعدم الانضمام إليها (وهي 22 منظمة من أصل 500 منظمة ومعاهدة).
3- مبادرة السلام العربية
حيث يتم تطبيق مبادرة السلام العربية وعقد اتفاق إقليمي عند التوصل لاتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
4- مرجعيات التفاوض
وتشمل قرارات الشرعية الدولية، خاصة قرارَيْ مجلس الأمن رقم 242، 338، ومبادرة السلام العربية، والاتفاقيات الموقعة.
5- مبدأ حل الدولتين
ويعني قيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش في أمن وسلام إلى جانب دولة إسرائيل. بالإضافة إلى رفض الحلول الجزئية أو الدولة ذات الحدود المؤقتة.
6- تبادل الأراضي
ويشمل ذلك قبول فلسطين بمبدأ التبادل (الطفيف) للأراضي، على أن تتم بموافقة الطرفين وتكون بنفس القيمة والمثل.
7- القدس الشرقية:
ويعني ذلك أن تكون القدس الشرقية هي عاصمة دولة فلسطين، على أن تكون مدينة مفتوحة أمام أتباع الديانات السماوية الثلاث.
8- الأمن:
وينصرف ذلك إلى ضمان أمن الدولتين دون المساس بالسيادة والاستقلال لكليهما، وذلك من خلال وجود طرف (دولي) ثالث.
9- اللاجئون:
ويتضمن ذلك التوصل إلى حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار 194 وفقًا لمبادرة السلام العربية، مع استمرار الالتزام الدولي بدعم وكالة الأونروا لحين حل هذه القضية.
وهكذا، من الواضح أن هذه الخطة الفلسطينية قد تم طرحها أمام مجلس الأمن في الوقت الذي كانت تعكف فيه الإدارة الأمريكية على بلورة خطتها لحل القضية الفلسطينية. ولعل ذلك قد يكون أحد أهم الأسباب التي أدت إلى عدم تفاعل المجتمع الدولي معها رغم تمشيها مع مواقفه المعلنة.
وتعكس هذه الخطة بوضوح الرؤية الفلسطينية والعربية المعروفة لحل القضية. ومن الواضح أنها راعت ألا تتعارض مع مقررات الشرعية الدولية حتى لا تلقى رفضًا صريحًا في حينه إلا من الأطراف المعروفة سلفًا بمواقفها المضادة لهذه الخطة، ولا سيما إسرائيل والولايات المتحدة.
ورغم أن الواقع يشير إلى صعوبة وضع هذه الخطة الفلسطينية موضع التنفيذ في ضوء العديد من المتغيرات الأخيرة؛ إلا أنه قد يكون من الإنصاف النظر إلى
الخطة في ضوء المحددات الستة التالية:
المحدد الأول
أنها خطة شاملة تؤكد أن الفلسطينيين كانوا ولا يزالون حريصين على عملية السلام، خاصة أنه من المقرر أن يتحدث الرئيس “أبو مازن” أمام مجلس الأمن في الحادي عشر من فبراير الجاري، وسوف يتناول الموقف الفلسطيني من الخطة الأمريكية وكذا متطلبات عملية سلام تؤدي إلى الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية.
المحدد الثاني
أنها تضمنت معالجة لكافة القضايا المرتبطة بالقضية الفلسطينية دون استثناء، وقدمت لها حلولًا طبقًا لرؤيتها، وحاولت أن تتعامل مع بعض متطلبات الأمر الواقع، خاصة فيما يتعلق بمسألة تبادل الأراضي، ووجود طرف دولي على الأرض لضمان الأمن، وأن تظل القدس مدينة مفتوحة.
المحدد الثالث
أنها تُعبِّر عن إجماع فلسطيني وتوافق عربي، ولا تخرج عن مبادرة السلام العربية التي لا تزال تمثل الرؤية العربية للحل.
المحدد الرابع
أنها أيضًا يمكن أن تكون إحدى المرجعيات الرئيسية على مائدة التفاوض في حالة التوافق في أي وقت على استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
المحدد الخامس
أن هناك رؤى لإقرار السلام في الشرق الأوسط من حق أي طرف أن يطرحها، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن الطرف الذي طرح هذه الخطة هو الجانب الفلسطيني المحتلة أراضيه والساعي لإنهاء الاحتلال، وأن يعيش في سلام وأمن واستقرار بجوار إسرائيل في إطار مبدأ حل الدولتين.
المحدد السادس
أن الحديث عن إمكانية تنفيذ هذه الخطة أو قبول إسرائيل أو واشنطن بها أمر غير وارد في رأيي، بل ومستبعد تمامًا، وذلك بنفس منطق الرفض الفلسطيني والعربي -وفقًا لما جاء في البيان الصادر عن اجتماع وزراء الخارجية العرب في الأول من فبراير 2020- لخطة السلام الأمريكية. ولكن من جانب آخر، يظل من الضروري أن يكون هناك حراك سلام فلسطيني وعربي على المستويين الإقليمي والدولي من أجل عدم ترك الساحة خالية أمام أية خطط لا تلقى القبول المطلوب. ولعل تفاعلات هذه الخطط والرؤى والمبادرات والتحركات قد تؤدي في النهاية إلى نتائج إيجابية تخرج بالقضية الفلسطينية من دائرة الجمود وعدم الحل إلى دائرة الضوء والحل العادل
اللواء محمد إبراهيم
عضو الهيئة الاستشارية
المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية
وكيل المخابرات المصرية الأسبق
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت