اتفقت مجموعة أوبك وشركاؤها «أوبك+»، التي تضم الدول الكبرى المنتجة للنفط بقيادة السعودية وروسيا، بعد اجتماع عبر الفيديو (12/4)، على «أكبر خفض للإنتاج في التاريخ»، على أمل أن يسهم ذلك في رفع سعر النفط الذي تدهور جداً بعد تفشي وباء كورونا. ولاقى الاتفاق ترحيبا دولياً واسعاً، وسبقه مشاورات واتصالات هاتفية، ثنائية وثلاثية، على أعلى المستويات، وخصوصاً بين قادة أميركا وروسيا والسعودية.
وأشاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاتّفاق. وكتب على «تويتر»: «الاتّفاق الكبير مع أوبك + تمّ إنجازه. هذا سيُنقذ مئات آلاف الوظائف في قطاع الطاقة في الولايات المتحدة». والولايات المتحدة، أكبر منتج عالمي، ليست عضواً في المجموعة، لكنها تسعى لخفض العرض لتحقيق استقرار في الأسعار، وتوفير متنفّس لقطاع انتاج النفط الصخري الذي يواجه صعوبات كبيرة.
وفي اتصال هاتفي بينهما، شدّد الرئيسان الروسي بوتين والأميركي ترامب على «الأهمّية الكبرى للاتّفاق». وأشار الكرملين إلى محادثة هاتفيّة تمّت بين بوتين وترامب والملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز. وجاء في بيان صادر عنه أنّ الزعماء الثلاثة «أيّدوا الاتّفاق حول الحَدّ من إنتاج النفط على مراحل وبشكل طوعيّ، بهدف إرساء الاستقرار في الأسواق العالميّة وضمان صمود الاقتصاد العالمي». وأشير إلى أنّ الاتفاق يتضمن خفض الإنتاج بما يُقارب 10 ملايين برميل من النفط يوميّاً من أعضاء «أوبك+» ابتداءً من الأوّل من أيار/ مايو القادم.
ووفق خبراء نفطيون، فإنّ «التخفيضات كانت أقلّ مما تحتاجه السوق، وبالتالي لن تساعد في إعادة التوازن إليه، لكنها قد تساعد في تجنّب الأسوأ، وهو الحيلولة دون سقوط الأسعار في هاوية».
جهود متواصلة
وجاء هذا الاتفاق استمراراً لجهود سابقة؛ سواء بين الدول الأعضاء في «أوبك+»، أم بالمشاركة مع دول أخرى منتجة، أم على مستوى دول «مجموعة العشرين»، وسعت جميعها لضمان «توازن المصالح بين منتجي النفط ومستهلكيه». وفي سياق ذلك، دعا وزراء الطاقة في دول مجموعة العشرين، في بيان مشترك بعد اجتماع افتراضي سابق (11/4)، إلى «ضرورة الالتزام العالمي بالتعاون للحفاظ على الاقتصاد العالمي ودعم استقرار أسواق النفط، بوصفها مصدراً رئيسياً لكل الأنشطة الحيوية الأخرى في العالم».
وكان تحالف «أوبك+» أعلن عن نيته القيام بهذا الخفض التاريخي، على أن يساهم المنتجون الآخرون بخفض 5 ملايين برميل يومياً بداية من شهر أيار/ مايو القادم. وجاء ذلك عقب اجتماع افتراضي للمجموعة مع كبار الدول المنتجة الأخرى؛ مثل الولايات المتحـدة وكنـدا والنرويـج والمكسـيك والبرازيل، إذ لم يعد يكفي العودة لإبرام اتفاق في إطار تحالف «أوبك+» فقط، في ظل انهيار الطلب والفوضى التي عمّت السوق النفطية عموماً، مع التداعيات التي ترتّبت على تفشي فيروس كورونا.
وجاء هذا الإعلان في وقت باتت فيه كميات النفط المعروضة في السوق تفوق الطلب بكثير، وبعد أن بدأت أسعار السوق تخرج عن السيطرة، وهو ما حدا بالدول الكبرى المنتجة للنفط العمل بسرعة لتطويق الأزمة، تمهِيدا لاتفاق نهائي مازالت تعترضه عوائق تتعلق بالكميات التي على كل بلد أن يلتزم بتخفيضها.
وعلى ذلك، فإنّ التوصل إلى الاتفاق المعلن من قبل «أوبك+» يُفترض أنه يندرج في إطار تفاهمات أوسع بين موسكو والرياض وواشنطن، بعد ضغوط مورست على معظم الدول المنتجة، على نحو يمهّد لولادة «أوبك++»، التي تضم «أوبك+» ودول أخرى منتجة للنفط؛ مثل النرويج وكندا والبرازيل والمكسيك، بهدف إعادة التوازن للسوق النفطية.
وفي هذا الصدد، أعرب خبراء عن اعتقادهم أنّ ثمة فرصة مثالية مواتية لتشكيل تحالف أوسع يكون قادراً على الاستجابة لمطالب المنتجين، مشيرين إلى أن ثمة حاجة إلى صيغة تجعل من المقبول دخول الشركات الكبرى، وخصوصا الأميركية منها، كـ«أعضاء جدد» في التحالف المزمع، علماً أنه يُمنع عليها، نظرياً وقانونياً، «العمل المُنسّق داخل الولايات المتحدة لأن القوانين الأميركية تمنع الاحتكار».
وسبق أن خفضت منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك»، مع حلفاء آخرين بقيادة روسيا الإنتاج لأكثر من ثلاث سنوات، لتدعيم الأسعار، (وهو ما يعرف بتحالف «أوبك+»). ولكن هذا الاتفاق انهار في السادس من آذار/ مارس الماضي، بعد عجز روسيا والسعودية عن التوصل إلى اتفاق على قيود إنتاج جديدة في ظلّ تفشي كورونا، وأدى إلى احتدام المنافسة بينهما على الإنتاج وخفض الأسعار.
ظل كورونا الثقيل!
وخلص مراقبون إلى أنّ أيّ اتفاق نهائي تتوصل إليه هذه الدول مجتمعة، (وخصوصاً إذا شاركت فيه الولايات المتحدة فيه)، سيكون بمثابة نتيجة لم يسبق لها مثيل، على رغم أن الأسواق لم تتأثر كثيراً بالاتفاق المعلن، إذ لم يطرأ سوى ارتفاع طفيف على الأسعار. وقال رئيس وكالة الطاقة الدولية إن تخفيضات كبيرة للإنتاج من أوبك ودول أخرى، لن تحول دون تراكم هائل للخام العالمي.
وقال خبراء النفط إن إغلاق بعض المنشآت النفطية الإنتاجية قادم، ليس بحكم الأسعار فقط، بل لأن طاقات التخزين الاستيعابية بلغت الذروة الآن، وإنه لا يمكن الاستمرار في الإنتاج خاصة في ظل تفشي كورونا الذي بات عاملاً شديد الوطأة في معادلة العرض والطلب على النفط.
ولا تستطيع الولايات المتحدة التي أشرفت على المشاورات، المشاركة بشكل مباشر في الاتفاقات الحاصلة، وذلك بسبب قوانينها لمنع الاحتكار التي تحظر هذا النوع من التفاهمات. ويمثل أي تحول في موقف واشنطن «انقلاباً هائلاً على تلك القوانين التي تمنع التنسيق من منتجين آخرين للتأثير في الأسعار»، وهو ما كان لوّح به الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمعاقبة منتجي «أوبك+» خلال المداولات التي جرت بشأن خفض الإنتاج.
ولعل تطوّر التداعيات التي نجمت عن وباء كورونا، كانت العامل الحاسم الذي لم يأخذه أحد في الحسبان كما ينبغي، وذلك بعد أن تمّ تجميد النشاط الاقتصادي حول العالم، ودفع أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها خلال عشرين عاماً، مع انهيار الطلب وإغراق السوق بإمدادات فائضة. فقد تراجع سعر البرميل إلى نحو 20 دولاراً، ليفقد أكثر من ثلثي قيمته. وهو ما أخطأت تقديره السعودية التي سارعت إلى زيادة انتاجها إلى مستويات قياسية في إطار خلافها مع روسيا على خفض الانتاج.
«تحذيرات» أميركية!
وبعد أن تلقّت صناعة النفط الصخري المكلفة في الولايات المتحدة ضربة كبيرة على خلفية انهيار الأسعار، بدأت إدارة البيت الأبيض بالتحرك لبحث سبل مساعدة الشركات النفطية. وأعلن الرئيس الأميركي أنه سيبحث فرض رسوم جمركية على واردات بلاده من النفط. وقال وزير الطاقة الأميركي دان برويليت إن صناعة النفط ببلاده «تأثرت على نحو خطير بما لحق بأسواق النفط».
وذُكر في هذا السياق، أنّ 48 نائباً جمهورياً في مجلس النواب الأميركي حذّروا ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من أن التعاون الاقتصادي والعسكري بين البلدين «معرض للخطر»، في حال فشلِ السعودية في معالجة أزمة النفط الحالية. وقيل إن عضوين جمهوريين في مجلس الشيوخ اقترحوا مشروع قانون لسحب القوات الأميركية من السعودية، رداً على تحرك الرياض لإغراق العالم ببراميل الخام.
وفي لهجة تحذيرية، نُقل عن المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض إن «أيّ محاولات تواطؤ من أيّ دول، في أوبك أو خارجها، يمكن أن تلحق ضرراً بالمصالح الأميركية، سيتعامل معها الرئيس ترامب على الفور لـ«حماية الاقتصاد الأميركي»!.
وذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية أن مسؤولين أميركيين وكنديين ناقشوا فرض رسوم جمركية على واردات النفط السعودية والروسية، إذا لم يتوصل البلدان إلى اتفاق سريع لإنهاء حرب الأسعار!.
فؤاد محجوب
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت