- رامز مصطفى كاتب فلسطيني
ما شهدته فلسطين المحتلة ، على وقع الاعتداءات والاقتحامات من قبل قوات الاحتلال العسكرية والشرطية وقطعان المستوطنين في مدينة القدس خلال شهر رمضان المبارك ، لا سيما على المسجد الأقصى من جهة ، والسعي الحثيث للسيطرة على حي الشيخ جراح بعد طرد سكانه الفلسطينيين ، لصالح المستوطنين الصهاينة من جهة أخرى .
ومن ثم التعرض لحي رأس العامود ومنع سكانه من إحياء ليالي شهر رمضان . مما دفع بقوى المقاومة إلى استشعار المخاطر الجدية التي تتعرض لها مدينة القدس والمسجد الأقصى وبقية المقدسات ، الأمر الذي وضعها عند تحمل مسؤولياتها الوطنية في منع الاستفراد بالقدس ، وتوجيه التحذيرات لقادة الكيان الصهيوني بعدم المس بها ، وتحديد مهلة زمنية لإخلاء باحات المسجد الأقصى وإلغاء اخطارات إخلاء منازل الفلسطينيين في الشيخ جراح ، ووقف ما تسمى ب" مسيرة الأعلام " الهادفة إلى تأكيد الكيان ومستوطنيه على أنّ مدينة والمسجد الأقصى هي يهودية وعاصمة لكيانهم بعد استكمال احتلالها ، وتحديداً في القدس القديمة . حيث حددت المقاومة الساعة السادسة من مساء يوم الاثنين 28 رمضان مهلة لتنفيذ مطالبها ، وإلاّ صواريخ المقاومة ستصل إلى مدينة القدس . وفعلاً استجابت المقاومة لنداءات أهلنا المقدسيين الذين أبلوا بلاءً رائعاً في مواجهة قوات العدو الصهيوني العسكرية والشرطية التي حاولت اقتحام المسجد الأقصى من دون جدوى .
وعند انتهاء المهلة التي حددتها المقاومة كانت صواريخها في الطريق إلى القدس ، وهذه تعتبر المرة الأولى في تاريخ الكيان ، إنّ هناك من يوجه تحذيراً يرتقي إلى حد الإنذار وينفذ تهديده . وهذا ما شكّل صدمة لقادة الكيان من تنفيذ المقاومة في قطاع غزة لتهديدها وقصف صواريخها الكيان الغاصب ووصلت إلى القدس . الأمر الذي شكّل رافعة لأهلنا المقدسيين الذين أدركوا وللمرة الأولى في تاريخ الصراع ، أنّ هناك مقاومة يمكن الاعتماد جدياً عليها في حماية القدس وأهلها من بطش وقمع العدو الصهيوني .
وبذلك ربطت المقاومة عمليات المواجهة العسكرية المفتوحة مع العدو الصهيوني بقضية القدس ومقدساتها . مع تدحرج العمليات العسكرية واتساع رقعة المواجهة منذ اليوم الثاني ، حدث ما لم يكن في حسبان وحسابات قادة الكيان ، بأنّ مدن ومناطق فلسطين المحتلة منذ العام 1948 ، تنتفض في وجههم ووجه مستوطنيهم في العديد من المدن ، في اللد وحيفا وعكا ويافا وبئر السبع والناصرة وكفر كنا وغيرهم . ووصل الأمر حد هروب المستوطنين ، وسيطرة الشباب الفلسطيني على معظم تلك المناطق ، الأمر الذي اعتبره قادة العدو الحدث الأخطر على الكيان منذ 73 عاماً ، وبالتالي هو الأخطر أيضاً من المواجهة العسكرية مع المقاومة في قطاع غزة ، بحسب المراقبين والمحللين وقادة أمنيين وعسكريين سابقين ، حيث وصف أحدهم الأوضاع الملتهبة في أراضينا المحتلة العام 1948 ، أنّ الوحش الفلسطيني داخل أحشائنا بدأ يأكلنا من الداخل . وفي تكامل وتشبيك لوحدة المقاومة ، تحركت الضفة الغربية منتصرة لبقية فلسطين ، وهي الجزء الأصيل منها ، فاندلعت المواجهات في العديد من المناطق في مواجهة حواجز العدو وتجمعاته الاستيطانية ، وأعلن شباب الضفة النفير العام ، واعتبروا المستوطنين وجنود الاحتلال أهدافاً يجب مواجهتهم . وهذا أيضاً مثّل قلقاً مضافاً لقادة لكيان ، لما تمثله الضفة من عمق حيوي باتجاه عمق أراضينا المحتلة في العام 1948 .
وفي سياق قراءة أولية في انتصار الملحمة الفلسطينية ، من تشابك مقاومتها وجغرافيتها ، من القدس وإلى مناطقنا المحتلة عام 1948 ، وقطاع غزة وصولاً إلى الضفة الغربية ، نسجل الآتي في المستويات التالية :-
أولاً مستوى المقاومة بعد مضي 7 سنوات على الحرب الأخيرة التي شنها كيان الصهيوني على قطاع غزة في تموز 2014 لمدة 51 يوم ، وصمودها وتمكنها من إسقاط أهداف تلك الحرب بالمعنى السياسي والعسكري والأمني . من الواضح أنّ المقاومة قد راكمت من القدرات القتالية الشيء الكثير ، ولم يقف الأمر عند هذه المراكمة بل زادت عليه المقاومة ، في تنوع تلك الوسائل والقدرات ودقتها ومدياتها ورؤوس صواريخ المتفجرة ، والمُسيّرات ، بالإضافة إلى شبكات الأنفاق ووسائل الاتصال والتواصل ، وغرف السيطرة والتحكم والقيادة . وذلك وفق إستراتيجية رسمتها قيادة المقاومة ، والتي كان من نتائجها تشكيل غرفة عمليات موحدة ضمت كافة الكتائب المسلحة في القطاع .
اليوم ومع التصدي الإسطوري لقوى المقاومة في مواجهة العدوان الصهيوني الذي استهدف مدينة القدس والمسجد الأقصى وأحياء رأس العامود وحي الشيخ جراح . نجحت قوى المقاومة منذ اللحظة الأولى من فرض هيمنتها االعسكرية ، على الرغم مما يمتلكه الكيان الصهيوني من ترسانة عسكرية لا تجيد إلاّ ارتكاب المجازر والقتل بحق الأبرياء من المدنيين في قطاع غزة ، الذين حولتهم إلى بنك أهدافها . وفي هذا السياق نسجل الآتي :-
1. نجحت المقاومة في أن تشكل من نفسها حالة إسناد حقيقي في الدفاع عن القدس وغيرها من المناطق الفلسطينية .
2. تم التشبيك بين كافة أشكال المقاومة ، من العسكرية في قطاع غزة ، إلى هبة أهلنا في القدس ومناطقنا المحتلة العام 48 ، وصولاً إلى الضفة الغربية .
3. التشبيك الجغرافي وتوحيد كافة مناطق فلسطين من بحرها إلى نهرها . كما وحدت الشعب الفلسطيني في عموم فلسطين .
4. أعادت التشبيك بين المقاومة وقضيتها الفلسطينية مع عمقها العربي والإسلامي على المستوى الشعبي في العديد من العواصم ، التي تحركت لنصرة القدس وغزة والضفة ومناطقنا المحتلة في العام 48 . وصولاً إلى دول االأمريكيتين وأوربا وإفريقيا .
5. بنك أهداف المقاومة طالت كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة ، حيث وصلت صواريخها لتطال شعاع تلك الأراضي ، مستهدفةً المراكز والمواقع الحساسة داخل الكيان ، ومطاراته ومدنه ذات المكانة الاقتصادية والمالية وتحديداً في أسدود التي تصل ما تدخله من الإيرادات المالية 60 بالمائة ، وكذلك منطقة غوش دان في تل أبيب ، ذات المركز التجاري الهام . مضافاً لذلك شل المطارات والسكك الحديدية والفنادق والأماكن السياحية ، وتوقف حركة البورصة ... الخ .
6. نجاح المقاومة في تنفيذ تكتيات عسكرية عالية المستوى . وهذا ما وفّر لها الاستمرار في استهداف عمق الكيان الصهيوني .
7. أحدثت تحول إستراتيجي ، لجهة كشف زيف الكيان وقوته وهيمننته العسكرية ، حيث حولته إلى كيان مهزوم على كافة الصعد والمستويات ( أوهن من بيت العنكبوت ) . وبالتالي عمّقت مأزقه السياسي والعسكري والأمني ، بل وتجاوزته إلى المأزق الوجودي ككيان قد ينتهي كمشروع صهيوني على أرض فلسطين .
8. عرت أنظمة التطبيع التي هرولت لنسج علاقات وتحالفات ، وأسقطت نظرية اختراق الواقع العربي لإرغام الفلسطينيين على التسليم بالأمر الواقع للكيان الصهيوني .
9. نجاح المقاومة في معركة الوعي والرواية والصورة في مواجهة الكيان الصهيوني ، خصوصاً بعد استهداف مكاتب وسائل الإعلام الموجودة في قطاع غزة .
رامز مصطفى كاتب فلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت