- رامز مصطفى كاتب فلسطيني
سادساً في الدروس المستفادة على الدوام عندما تُخاض الحروب أو المواجهات العسكرية ، تكون هناك دروس مستفادة ، منها السياسية والعسكرية والأمنية توجب التدقيق فيها . فالعدو الصهيوني ، في كل حروبه التي خاضها ضد المقاومة الفلسطينية ، وتحديداً منذ العام 2008 – 2009 و 2012 و 2014 ، حتى المواجهة الأخيرة ، كان يُمني نفسه وتاريخه الإجرامي ، عبر ما ارتكبه من مجازر ضد المدنيين الأبرياء، حاصداً أرواحهم ، لا سيما الأطفال والنساء منهم ، كان يمني نفسه سحق المقاومة والقضاء عليها . ولكن المقاومة ورغم التضحيات الجسام ، والخسائر الكبيرة ، كانت تخرج منتصرة ، ويشتد ساعدها ، مع تطور قدراتها وإمكانياتها العسكرية التي تطورت بشكل مذهل .
وهذا ما شهدته المواجهة الأخيرة ، والتي استمرت 11 يوم ، تمكنت فيه قوى المقاومة من إلحاق هزيمة نكراء بالكيان . ومن يتشكك من ذلك أدعوه لمتابعة الإعلام العبري بكل تنوعه ، وكذلك المحللين والمراقبين ، وتحديداً القادة الأمنيين والعسكريين السابقين في الكيان .
ما تقدم فالملحمة الفلسطينية الأخيرة ، تفترض بقوى المقاومة الفلسطينية تكون قد وضعت تلك الدروس موضع النقاش المُعمق فيما بينها ، لتشكل في مجموعها التراكمي سياقاً نحو تحقيق الانتصار الناجز . والمسؤولية هنا ليست مسؤولية أحادية الطرف ، طالما أنّ الصراع مفتوح مع الكيان ولم ينتهي بعد ، فنحن أمام جولات قادمة ، لأنّه في الأصل صراع وجودي مع الحركة الصهيونية وكيانها الغاصب لأرضنا الفلسطينية .
ونلخص في الدروس المستفادة الآتي :
- 1. العمل العسكري المقاوم ، من خلال غرفة العمليات المشتركة لقوى المقاومة ، كان من أهم إبداعات تلك المواجهة ( الملحمة ) . حيث التنسيق العالي في الميدان وما يفرضه من تكتيكات ، تمكنت قوى المقاومة من ممارسته بحرفية عالية ، أوقع الكيان بقادته العسكريين والأمنيين بحيرة وحالة من الذهول ، في قدرة المقاومة على تنفيذ وعيدها وتحذيرها بأنّ التمادي في الاعتداء على القدس ومقدساتها وأحيائها لن يمر . لذلك المطلوب تكريس وتطوير هذه التجربة الرائدة في العمل العسكري لقوى المقاومة في قطاع غزة ، وسد الثغرات إذا ما وجدت ، على ضوء التقييم بين مكونات غرفة العمليات الموحدة ، التي من المفترض أن تجريها بعد توقف المعارك .
2. الربط الذي أوجدته المقاومة بينها وبين ما تتعرض له القدس . ربط يجب أن يؤكد عليه من خلال ما تشهده غرف الاجتماعات واللقاءات التي تجريها الفصائل في القطاع مع الوفد الأمني المصري . وهذا يدفعنا للتنبيه أنّ كثرة الحديث عن إعادة ما هدمته همجية الآلة العسكرية للكيان العدو ، أن تشكل محاولة للالتفاف على الربط والتشبيك الذي فرضته المواجهة ( الملحمة ) ، لصالح فك هذا الارتباط . وهذا ما يسعى إليه قادة الكيان .
3. وعلى مقلب لا يقل أهمية من موضوع القدس ، في كيفية المحافظة على ما شهدته المواجهة الأخيرة من تشبيك مع شعبنا وأهلنا في أراضينا المحتلة عام 1948 . وأنّ شعبنا هناك من غير المسموح الاستفراد به من قبل الكيان وما يتوعده لهم بسبب ما شهدته مدننا المحتلة في اللد ويافا وحيفا وعكا والناصرة وكفر كنا وغيرهم ، من حراك لنصرة القدس وقطاع غزة ، وتأييداً للمقاومة .
4. في غمرة الانتصار الذي حققته المقاومة ، يُفترض التنبه لجهة المحاولات المحمومة لإجهاض هذا الانتصار وتبديده في سياق من الوعود والضمانات الدولية والإقليمية الزائفة . في ضوء التجارب السابقة التي كانت الأطراف الدولية والإقليمية تعمل على وقف النار، وتسعى إلى فرض هدن طويلة الأمد . وتجربة مؤتمرين لإعادة الاعمار لا زالت ماثلة أمامنا. الأول في شرم الشيخ في آذار 2009، والذي تبرعت من خلاله الدول المشاركة آنذاك 2.5 مليار دولار كانت حبر على ورق . والثاني في القاهرة في تشرين الثاني 2014 ، انتهى إلى ذات مصير المؤتمر الأول . وخطة روبرت سيري المنسق الخاص للأمم المتحدة، كانت واضحة لجهة الاعمار مقابل هدنة طويلة أقلها 5 سنوات .
5. ضرورة التنبه ألاّ يتحول قطاع غزة إلى ساحة صراع على النفوذ والاستحواذ لقوى إقليمية نافذة ومؤثرة ، بهدف احتواء قوى المقاومة ، وتحديداً حركة حماس التي تتصدر المشهد اليوم ، هي كذلك من خلال دورها وحضورها الفاعل . فهناك تعمد من قبل وسائل إعلامية معلومة الارتباط والأهداف ، للقول أنّ الحركة ، وكأنها وحدها في ميدان المواجهة ، دون غيرها . وعليها أن تقتنص فرصة الاهتمام البعض الدولي بفتح حوارٍ معها ، ومثالهم ألمانيا التي أبدت استعدادها الانفتاح على حماس . وبهذا المعنى ، إذا ما أرادت حماس أن يتم تقبلها دولياً ، لابد أن تحسّن من سلوكها ، وتحديداً السياسي ، وإبداء المرونة اللازمة في هذا السياق . وهي لن تكون بعيدة عن شروط الرباعية ، التي أدت إلى حصارها العام 2007 . والثاني ، يأتي في سياق ابتزاز للسلطة ورئيسها ، أنّ ثمة بدائل تلوح في ضوء نتائج المواجهة الأخيرة ، على الرغم من إبداء أكثر من طرف دولي وإقليمي على دور السلطة في أية ترتيبات تتعلق بإعمار القطاع .
6. والأكثر أهمية ، هو في كيفية حماية هذا الانتصار من أنفسنا أولاً ، بمعنى حمايته من توجهات مغلوطة في الحسابات السياسية والوطنية . خصوصاً أنّ المواجهة الأخيرة كانت استفتاءً حقيقياً على ماهية الخيارات الواجب الذهاب إليها في سياق الصراع مع الكيان الصهيوني ، من خارج الرهان على سياق ورؤية سياسية مستندة إلى أية إمكانية إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية . وبهذا المعنى الحل قد تمّ تجربيه من قبل المنظمة عبر اتفاقات " أوسلو " ، التي بددت ما بددته من عناوين وحقوق وطنية للشعب الفلسطيني وقضيته التي لا حلّ لها إلاّ بالمقاومة وبكل أشكالها ، والمقاومة المسلحة أساس فيها .
7. المواجهة ( الملحمة ) أفرزت حقائق يجب توظيفها وتثمريها بشكل صحيح . أولها ، أنّ شعبنا واحد موحد أينما تواجد ، داخل الوطن المحتل أو في الشتات والمغتربات . هذه الوحدة التي عبرت عنها جموع شعبنا بشكل رائع ، من خلال التفافها حول قضيتها ومقاومتها ، وهي على استعداد لتقديم كل يملك في سبيل عزتها وكرامتها وانتصارها . وثانيها ، أنّ هناك إمكانية متاحة لتحقيق الانتصار على العدو الصهيوني ، وإن ليس بالضربة القاضية راهناً ، ولكن بالتراكم . لأنّ صورة الكيان الذي لا يقهر ، اليوم الإمكانية أن يُهزم ويُدحر علينا تلمسها في تصريحات قادة كيان أنفسهم . وثالثها ، أنّ المقاومة الفلسطينية بمختلف قواها وكتائبها العسكرية ، أيقنت بما يدعو ولمجرد الشك ، أنّ خلفه وإلى جانبه محور بدوله وقواه يقف بكل ما أوتيّ من قوة وقدرة وإمكانية إلى جانبه ، حد دخول المعركة إلى جانب المقاومة والشعب الفلسطيني ، إذا ما اقتضت الضرورة . وما ربط القدس بالحرب الإقليمية إلاّ في سياق وحدة محور المقاومة . أما رابعها ، الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم ، قد أبدوا نصرة وتضامناً ووقوفاً إلى جانب المقاومة والقدس ، وما تعرض له القطاع من مجازر مهولة ، أسقطت زيف ادعاءات الكيان ، كاشفاً عن وجهه القبيح ، الذي لم يراعي الحد الأدنى من حقوق الإنسان . على المقاومة وقواها إيلاء اهتماماً متزايداً اتجاه تلك الشعوب ، بعيداً عن حسابات الربح والخسارة في العلاقة مع الأنظمة . لا شك أنّ هذه القراءة قد لا تكون مستوفية كامل أركانها ، وذلك بسبب أنّ صوت قرقعة السلاح ، ووقف النار قد توقف قبل مدة قصيرة . والأيام القادمة ستكشف وتتكشف معها الكثير مما لم تظهره الوقائع بعد . خصوصاً أنّ المسار السياسي لا زال في بداياته ، بما فيها حوارات القاهرة القادمة بين الفصائل ، والتي وعلى ضوء التجارب السابقة كانت مخيبة للآمال ، ومسيئة لنضالات وتضحيات أبناء شعبنا .
رامز مصطفى كاتب فلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت