- بقلم: شاكر فريد حسن
وصلني من الصديقة الإعلامية والكاتبة الحيفاوية جمانة فرح قزعورة، كتابها الموسوم "جريمة غامضة" الصادر قبل فترة وجيزة عن مكتبة كل شيء- ناشرون في حيفا، وهو العمل الأدبي الثاني لها بعد "عشق الأربعين".
جاء الكتاب في 153 صفحة من الحجم المتوسط والورق الأصفر الصقيل، بطباعة أنيقة، تحمل عناوينه مفردات ذات معاني عميقة لها وقع في القلب والوجدان، وتطغى على نصوصه أطياف الحب والهوى والوجدانية. ويجد القارئ نفسه أمام إنسانة وكاتبة جريئة مرهفة الإحساس، تمتلك ناصية اللغة وتطوعها في بناء لوحاتها ورسم صورها القلمية وخواطرها بمختلف الأغراض والموضوعات، فجمانة فنانة مبدعة تتقن بريشتها البارعة البوح والتعبير عن عواطفها الجياشة النابضة، وتجذبنا بأسلوبها السلس العفوي المنساب والسهل الممتنع، ولغتها الواضحة الرشيقة البعيدة عن التعقيد والغموض.
يضم الكتاب بين ثناياه لوحات نثرية وصور قلمية وخواطر شعرية ونجاوى وومضات وهمسات حب جريئة إلى أبعد حد، في غاية الرقة والجمال والصفاء الروحي، تحاكي الوجدان بشاعرية عاشقة مسكونة بالحب والهوى.
وتنصب موضوعات الكتاب في العشق والغزل والنسيب والذكريات والغربة، ونقد المجتمع وظواهره السلبية، وفي مخاطبة الأم والأب والمشاعر، ومحاكاة المكان ومدينة العشق قاهرة نابليون والغزاة عكا الجميلة، فضلًا عن مقطوعة عن الكورونا.
تتصف نصوص جمانة بالحس المرهف الثاقب، والعاطفة الجياشة المتفجرة، والغوص في بحار الحب، والذوبان في روح وجسد الحبيب، علاوة على صدق الإحساس، وأناقة الحروف، وعذوبة الكلمات، والسلاسة والشفافية الفوّاحة والخيال الخصب المجنح، ويتجلى ذلك في تعابيرها وهمساتها، كقولها:
لِأَوَلِ مَرّةٍ أَشْعُرُ أنَّ شَبابِيَ يَضيعُ مِن يَومٍ إلى آخَرَ
أحتاجُ إليكَ في لَيلَتي الباردَةِ هذه
أحتاجُ لرِجولَتِكَ الّتي لا مَثْيلَ لها
لِأَنفاسِكَ في مَسمَعي
لِكَلامِكَ الّذي يَملَأُني بِطَعمِ حَلاوَةِ الحياةِ
أحتاجُكَ دومًا
لكنّ لَيلّتي كانَت مُختلفَةً
جَعَلَتني أَرفُضُ كُلَّ المبادِئِ والقوانينِ
جَعَلْتَني أَنْسى أَنَي هُنا، مُقِيّدَةٌ بِسَلاسِلِ المُجتَمَعِ الغَبِيّ
الّذي لا يَرْحَمُ
لا أُطيقُ الجُلوسَ وَحدي كُلّ لَيلَةِ
رَغمَ أَنّي لَسْتُ وَحيدةً
أُريدُكَ أن تَكونَ بِجانِبي وأَنْ تَضُمنّي
تَبْتَسِمُ، تَنْظُرّ إلى عَيْنَيَّ
تُخبِرُني كَم تُحبُّني
في كتابها "جريمة غامضة" تقدم جمانة مقطوعات من سمفونيات العشق الجميلة، والهمس الرقيق، تصل إلى أذان السامع، وتلامس أعماق القارئ، بدون جواز سفر، مع ما تحتضنه من المعاني والألفاظ الحسية والروحية بطريقة تؤطر لطاقة تعبيرية رفيعة المستوى تفيض بغزل شفيف ورهيف وعشق متشح بالجمال، روحًا وفكرًا وعاطفة. فلنسمعها تقول:
لن أكْشفَ لكَ عَن مَلامح وتفاصيل جَسدِي
لِتُبْهِرَ بِها عَينيْك
يّكفي أن أقولَ لَكَ كَلِمَتَيْنِ
تُنْسيانِكَ اسْمَكَ
تَجعلانِكَ تَقِفُ مصلوبًا
جُثَّةً بلا حَراك
وفي "تنفيذ خطة" تعري جمانة أصحاب المصالح الشخصية والوجوه الكالحة، فتقول:
يَبتَسِمونَ بِوَجْهِكَ
يأخذونَ ما يُريدونَ
وحينَ يَحتاجونَكَ يركضُونَ نَحوَكَ
يَضُمّونَكَ، يُقَبّلونَكَ
فيما تقِفُ مَكانَكَ
لا تَفهَمُ شَيئًا
وفي "يًا إِمّي" تخاطب والدتها، وتكشف أحوال العلاقات الأسرية التي تغيرت عن سابق عهدها، بفعل تراجع القيم الإنسانية، وتعبر عن ذلك باللجوء للكلمة العامية المحكية قائلة:
يَا إمّي ما تخافي عليّي من الغريبْ
خافي عَلَيي من القريبْ
اللّي طَعِنتْه بتوجّع أكثر من السّكينْ
تغَيَّر العالَم يا إمّي
الأخ ما عادْ سَنَد لأُختُه
الأُخت ما عادَتْ تِتْذَكَّر مَلامِح وجه أختها
القَريب صارْ أقرَبْ عَدِوْ
عَم يتّاكل لَحِمْنا يا إمّي
عَم نِتْوَجَّع
أما في "مدينة العشق" و"عكا" فتحاكي مدينة الأسوار التي قهرت نابليون وصدت الغزاة على أبوابها، عكا التي تسكنها وتعشق التجوال بين حاراتها وأزقتها وأسواقها حيث رائحة المسك البخور وصوت آذان المساجد ورنين أجراس الكنائس.
وفي نصوص أخرى تحكي جمانة عن نفسها وشخصيتها فتقول إنها امرأة قوية، امرأة بألف امرأة، تحمل في أحشائها وطنًا محتلًا، وأنوثتها لا يكفيها ألف ذكر، وهي تكتفي برجل واحد تحبه وتعشقه بكل إحساسها، تبوح له بمشاعرها وتكتب له أجمل رسائل ومفردات العشق.
جمانة كاتبة حالمة، تكتب بكل ما تملكه من أحساس ورهافة، وكتابها ماتع ومميز بنصوصه وعناوينه ولغته وأسلوبه المبسط، وهو نبضات ومضات ورسائل بوح وجدانية شفافة ومرهفة متوهجة بدفء المشاعر وصدقها وبألقها التعبيري.
أشكر الصديقة الكاتبة جمانة فرح قزعورة على هديتها، وأرجو أن تواصل مشوارها مع الكلمة الأدبية، متمنيًا لها مستقبلًا باهرًا والوصول إلى ما تبتغيه من الحضور في المشهد الثقافي، وبانتظار المزيد من إصداراتها، وهي قادمة بلا شك.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت