بروتوكول علاجي بتغطية 100%، وقاعدة بيانات موحَّدة، وإسناد تعليمي .. معضلة إسكان المرضى ومرافقيهم تتصدّر الأولويات.

وكالة «قدس نت» تحاور السفير الفلسطيني بالقاهرة حول منظومة علاج الجرحى والمرضى ومرافقيهم في مصر

بقلم: سامي عيسى

السفير الفلسطيني دياب اللوح.jpg

حاروه :- سامي عيسى

  رسم سفير دولة فلسطين لدى جمهورية مصر العربية، دياب اللوح، صورةً شاملةً لتحديات السفارة في استيعاب تدفّق الفلسطينيين القادمين من قطاع غزة إلى مصر منذ اندلاع حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، كاشفًا عن منظومة طوارئ متكاملة للتعامل مع الملفات الصحية والقنصلية والسكنية والتعليمية، ومؤكدًا وجود بروتوكول علاجي رسمي مع وزارة الصحة والسكان المصرية يضمن تغطية كاملة للتكاليف.

وقال السفير الفلسطيني دياب اللوح في مقابلة خاصة مع وكالة قدس نت للأنباء «تعرّض عمل سفارة دولة فلسطين في القاهرة لانعكاسات مباشرة وقاسية جرّاء حرب الإبادة الجماعية الممنهجة التي يشنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة. وبحكم الشراكة التاريخية والجغرافية بين غزة ومصر، وصل إلى الأراضي المصرية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى 6 مايو/أيار 2024 نحو 110 آلاف مواطن فلسطيني. وبعد ذلك التاريخ سيطرت قوات الاحتلال على معبر رفح فتوقفت حركة المسافرين، إلى أن جرى التوصّل في مطلع فبراير/شباط 2025 إلى وقفٍ لإطلاق النار استمر حتى 17 مارس/آذار 2025؛ وخلال فترة الهدنة دخل عبر المعبر نحو 5,541 مريضًا ومرافقيهم من النساء والأطفال. وإلى جانب ذلك، كان عشرات الآلاف من أبناء قطاع غزة موجودين في مصر لأغراض متعددة، ومع إغلاق المعبر تعذّر على كثيرين منهم العودة. وبناءً على ذلك يُقدَّر إجمالي القادمين من غزة إلى مصر خلال الأعوام 2023–2025 بنحو 150 ألفًا؛ وذلك لتلبية احتياجات إنسانية اعتيادية كالعلاج والسفر إلى الخارج، وليس في إطار أي مخطط للتهجير. كما أظهرت مراجعة حركة السفر لعام 2022 رجحان العائدين إلى القطاع على المغادرين منه.

غرف طوارئ ولجان متخصصـة داخل المعبر

وأضاف السفير منذ اليوم الأول للحرب، شكَّلت السفارة فريق عمل برئاستي يضم خلية أزمة، ولجنة إعلامية برئاسة المستشار الإعلامي، ولجنة طبية برئاسة المستشار الطبي، ولجنة قنصلية لتصويب الأوضاع القانونية لمن فقدوا أوراقهم الثبوتية. وقد أوفدنا طاقمًا قنصليًّا للعمل في معبر رفح بالتنسيق مع خلية الأزمة المصرية الرسمية لإصدار وثائق دخول إلى مصر. وبمجرّد وصول المواطنين إلى مقرّ السفارة، نتقدّم لهم بطلبات إصدار جوازات سفر فلسطينية لدى وزارة الداخلية بدولة فلسطين بدلًا من وثائق السفر المؤقتة، وذلك بموافقة السلطات المصرية المختصة ووزارة الداخلية الفلسطينية.

على الصعيدين التنظيمي واللوجستي قال "تعاملنا فورًا وباستمرار مع هذه الأعداد الكبيرة وقدّمنا الخدمات الأساسية لمن فقدوا منازلهم ومقتنياتهم ويحتاجون إلى كل شيء. واعتمدت السفارة منذ اللحظة الأولى على مبادرات الإغاثة التي قدّمتها مؤسسات خيرية مصرية شقيقة وصديقة، وفق آلية شفافة تضمن انتقال المساعدة مباشرة من المتبرّع إلى المستفيد. وفي مقدّمة هذه الجهود تأتي مساهمات الدولة المصرية الشقيقة، ولا سيما خلية الأزمة في معبر رفح ومحافظة شمال سيناء والهلال الأحمر المصري، التي أسهمت عمليًّا في تخفيف أعباء ومعاناة مواطنينا".

مشدداً سنواصل، بالتنسيق الكامل مع السلطات المصرية المختصة، القيام بواجبنا الوطني والإنساني في رعاية أبناء شعبنا وتذليل ما أمكن من العقبات أمامهم حتى تنجلي هذه المحنة.

8 آلف جريح ومريض موزعين على 172 مستشفى

اما بخصوص متابعة أوضاع الجرحى والمرضى الذين خرجوا من قطاع غزة؟ وهل توجد قاعدة بيانات رسمية بأعدادهم وأماكن تواجدهم؟، أوضح السفير الفلسطيني دياب اللوح أنّ المتابعة «مُنظَّمة ومؤسسية»، وتتم بالتنسيق الكامل مع وزارة الصحة والسكان المصرية، مع وجود قاعدة بيانات رسمية دقيقة تُوثِّق الحالات ومسار علاجها وأماكن إقامتها.

وأكد السفير أنّ الدولة المصرية، عبر وزارة الصحة والاسكان، استقبلت نحو 8,000 جريح ومريض، إضافة إلى قرابة 18,000 مرافق—غالبيتهم من النساء والأطفال—وأُنجزت معاينات طبية أولية لنحو 90% منهم داخل معبر رفح، قبل استكمال الفحوص والعلاج في مستشفيات شمال سيناء (الشيخ زويد، العريش، بئر العبد)، ثم إحالة الحالات التي تستلزم رعاية متقدمة إلى مستشفيات القاهرة ومحافظات أخرى.

ولضمان استمرارية الرعاية وتوزيع العبء الطبي، جرى توزيع الجرحى والمرضى ومرافقيهم على نحو 172 مستشفى حكومي من شمال سيناء حتى الأقصر. وشكّلت السفارة فريق عمل ميدانيًّا يزور المرضى بالتنسيق مع وزارة الصحة والجهات المختصة، وبمرافقة مؤسسات وجمعيات خيرية لتأمين الاحتياجات العاجلة والاطمئنان على سير العلاج. وأشار اللوح إلى ما لمسه من «معنويات مرتفعة» لدى المصابين، وعلاقة «أخوية وأسرية» تربطهم بالطواقم الطبية المصرية.

وبشأن قاعدة البيانات، شدّد السفير على أنها «قائمة ومحدَّثة»: إذ يدخل كل جريح أو مريض أو مرافق عبر بطاقة خاصة تُسجّل بياناته الطبية ومكان الإقامة المؤقّت، وتُحفَظ السجلات لدى وزارة الصحة المصرية مع نسخة متطابقة لدى السفارة. وعند اكتمال العلاج والخروج من المستشفى، يُستكمل التنسيق بين السفارة والوزارة لتأمين السكن: من مراكز الإيواء والاستشفاء في شمال سيناء ومرافق وزارة التضامن الاجتماعي، إلى الإقامة لدى الأقارب أو في مساكن وفّرتها الجمعيات الخيرية، أو على نفقة الأسر بحسب الإمكانات.

لجان مخصصة لاستقبال المرضى والجرحى من معبر رفح

وبخصوص الإجراءات التي تتخذها السفارة لتأمين تغطية مالية أو ترتيبات للمرضى الذين خرجوا من غزة دون تنسيق مسبق؟ أوضح السفير الفلسطيني أنّ المنظومة الطبية تعمل بالكامل عبر مسارٍ رسمي ومسبَق التنسيق، ما يعني عمليًّا عدم وجود حالات خرجت من القطاع بلا ترتيبات موثّقة أو خارج الإطار المؤسسي.

وبيّن السفير أنّ جميع الجرحى والمرضى الذين غادروا قطاع غزة جرى استقبالهم في معبر رفح بواسطة طواقم متخصصة من وزارة الصحة والسكان المصرية، وبمشاركة فريق من سفارة دولة فلسطين داخل المعبر. وبعد الفرز الطبي الأولي، نُقلت الحالات بسيارات إسعاف مصرية—بما فيها مركبات مخصّصة لنقل الأطفال الخُدَّج—إلى المستشفيات الحكومية المصرية التي قدّمت ما يلزم من خدمات علاجية وفق البروتوكولات المعتمدة.

وأشار اللوح إلى أنّ الرعاية الصحية قُدِّمت ضمن المنظومة الحكومية المصرية وبالتنسيق مع الهلال الأحمر المصري، ما ألغى الحاجة إلى “ترتيبات مالية طارئة” خارج الأطر الرسمية. وفي الحالات التي تستلزم دعماً إضافياً لاحتياجات مرافقي المرضى أو ما هو غير طبي، تتولّى السفارة التنسيق مع الجهات المختصة والمؤسسات والجمعيات الخيرية لتغطية المتطلبات الضرورية وفق القنوات النظامية.

وأعرب السفير عن تقديره العميق لجمهورية مصر العربية، حكومةً ومؤسساتٍ وطواقم طبية، على ما قدّموه من جهود استثنائية للجرحى والمرضى ومرافقيهم الذين أنهكهم النزوح والقصف المستمر. ولفت إلى أنّ حجم المأساة الإنسانية يتبدّى في النِسَب والأرقام المتاحة، إذ طال الاستهداف النساءَ والأطفالَ بنسبةٍ مرتفعة، وتجاوز إجمالي الضحايا—بين شهيدٍ وجريحٍ ومفقود—الـ 250,000 خلال حرب الإبادة الجارية على قطاع غزة، بالتوازي مع عدوانٍ متواصل في الضفة الغربية.

إسكان المرضى ومرافقيهم «المعضلة الأكبر»

وحول مشكلة إسكان المرضى ومرافقيهم في القاهرة؟»، أوضح السفير الفلسطيني أنّ ملف السكن والإيواء يمثّل التحدّي الأكبر أمام السفارة والمواطنين معًا. وقال "إنّ المعالجة تتم وفق الإمكانات المتاحة وبالتنسيق الكامل مع الجهات المصرية المختصة والهلال الأحمر المصري، إلى جانب المؤسسات والجمعيات الخيرية المصرية والأجنبية، حيث جرى تأمين حلول إيواء في شمال سيناء والقاهرة ومحافظات أخرى بحسب الحاجة".

وبيّن السفير أنّ إطالة أمد الحرب، التي تقترب من استكمال عامين، فاقمت الأزمة ورفعت حجم الالتزامات والمتطلبات اليومية، ما يزيد العبء الواقع على السفارة وعلى الأسر الفلسطينية التي فقدت منازلها وكلّ ما تملك. ومع ذلك، تواصل السفارة إدارة هذا الملف بصورة منظّمة، وتعمل على توسيع شبكة الشركاء وتحديث ترتيبات الإيواء بما يضمن الحدّ الأقصى الممكن من الاستقرار والكرامة للمصابين ومرافقيهم.

بروتوكول علاجي شامل وتغطية 100%

وأكد السفير وجود بروتوكول علاجي رسمي مُوقَّع ومُعتمَد بين وزارتي الصحة في دولة فلسطين وجمهورية مصر العربية لعلاج كافة الحالات المرضية. وخلال الحرب قدّمت مصر جميع الخدمات الطبية والعلاجية للجرحى والمرضى بتغطية مالية كاملة بنسبة 100%. ويمكن القول إن العلاقة، في الواقع، تجاوزت كل البروتوكولات والاتفاقيات، انطلاقًا من الشراكة التاريخية بين فلسطين ومصر، وما توفره مصر من رعاية وطنية وقومية ودعم وإسناد تاريخي وسياسي مستمر للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

هذا من جانب. ومن جانبٍ آخر، هناك آلية معتمدة لتقديم الخدمات العلاجية والطبية للمواطنين الفلسطينيين، وذلك عبر إصدار تحويلات طبية لهم من دائرة العلاج لشراء الخدمة الطبية في الخارج بوزارة الصحة في دولة فلسطين، لعلاجهم في مستشفيات الأمانة العامة التابعة لوزارة الصحة والسكان المصرية، وبغطاء مالي كامل بنسبة 100% من قِبَل وزارة الصحة والسكان المصرية أيضًا.

مرضى السرطان: نداء لتعزيز الشراكات

وفي ما يتصل بمرضى السرطان، قال اللوح "وصل إلى مصر من قطاع غزة أكثر من ألف مريض سرطان من أصل أكثر من عشرة آلاف مريض سرطان في قطاع غزة. وقد قُدِّم العلاج لعدة مئات منهم في المستشفيات الحكومية المصرية، وتكفّلت مؤسسات ومنظمات طبية أجنبية بعلاج آخرين في مستشفيات مصرية خاصة، ولا تزال هناك حالات بحاجة إلى علاج. ونحن نتابعها متابعةً حثيثة، ونطرق كل الأبواب، ونغتنم كافة الفرص المتاحة لتوفير العلاج لهم، وهي—as كما تفضّلتم في سؤالكم—مرتبطة بالإمكانات المالية. ونحن لا نفوّت فرصة لقاء مع أي منظمة طبية دولية تأتي إلينا إلا ونطلب منها المساعدة في توفير العلاج لمرضى السرطان.

رغم الحصار المالي: «نواصل حماية مصالح مواطنينا»

تطرّق اللوح إلى الأزمة المالية التي تواجهها الحكومة الفلسطينية وقال تتعرض حكومة دولة فلسطين لحصارٍ مالي خانق تفرضه حكومة اليمين في إسرائيل عبر الامتناع عن تحويل كامل أموال المقاصة، وقد توقفت هذه التحويلات تمامًا منذ عدة شهور، ما عمّق الأزمة. وبرغم ذلك، تبذل الحكومة قصارى جهدها لإسناد أهلنا في قطاع غزة. وعلى هذا الأساس تعمل سفارة دولة فلسطين في القاهرة بكل ما أوتيت من إمكانات للقيام بواجبها في حماية مصالح أبناء شعبنا وتوفير حياة كريمة لهم، تنفيذًا لتوجيهات فخامة الرئيس محمود عباس، وتعليمات دولة رئيس الوزراء الدكتور محمد مصطفى، ووزارة الخارجية والمغتربين.

وأضاف السفير نعمل بروح الفريق الواحد عبر أقسام السفارة المتخصصة في خدمات الرعايا والإغاثة، لتطوير الأداء بما يواكب تداعيات حرب الإبادة على غزة وانعكاساتها على عملنا في القاهرة. وقد نجحنا، بتوفيق من الله، في اعتماد آلية منذ اليوم الأول للحرب تقوم على إيصال المساعدات المالية واللوجستية من المتبرّع إلى المستفيد مباشرة، ويقتصر دور السفارة على التيسير والتنسيق عبر طواقمها وإمكاناتها، استنادًا إلى قاعدة البيانات المتوفرة لدينا.

تعليم وخدمات اجتماعية لعشرات الآلاف

وبحسب السفير الفلسطيني تقدم السفارة خدمات تعليمية لأكثر من 25 ألف تلميذ، بالتنسيق التام مع وزارة التربية والتعليم بدولة فلسطين، إضافة إلى 13 ألف طالب جامعي في الجامعات المصرية. وقد استكمل تلاميذ المدارس تعليمهم عبر برنامج التعليم عن بُعد بالتشبيك مع مدارس الوزارة في فلسطين، فيما ضمِنّا استمرارية طلبة الجامعات بتنسيق كامل مع وزارة التعليم العالي المصرية التي تساهم فعليًا بنسبة 50% من إجمالي الرسوم الجامعية لطلبة دولة فلسطين الحاصلين على الثانوية العامة من فلسطين. كما أمّنت السفارة عقد امتحانات لنحو 3,800 طالب وطالبة من “التوجيهي” ممن خرجوا من غزة، على مدار سنتين من الحرب، موزّعة على خمس دفعات متزامنة مع الامتحانات في فلسطين، وتحت إشراف وزارة التربية والتعليم الفلسطينية وبرعاية كريمة من وزارة التربية والتعليم المصرية.

إغاثة منظّمة… وعدالة في التوزيع

وأضاف السفير تُظهر قاعدة بيانات السفارة وجود نحو 50 ألف أسرة فلسطينية قادمة من قطاع غزة بحاجة إلى دعم مالي وغذائي وسكني. وقد استكملنا صرف مساعدات مالية لهذه الأسر مرتين خلال عامين من الحرب، إلى جانب مساعدات غذائية وكسائية عند الحاجة. وساهمت مؤسسات وجمعيات خيرية في تغطية مصاريف طلاب المدارس عبر أولياء أمورهم، وسداد رسوم عدة مئات من الطلبة الجامعيين مباشرة في حسابات الجامعات. ولضمان العدالة والشفافية، نشرت السفارة روابط على صفحتها، وجُدولت الأولويات وفق برامج الجهات الداعمة، مع إعلاء أولوية الحالات الأشد تضررًا وفي مقدمتها ذوو الشهداء. وقد عززت آلية “المتبرع إلى المستفيد” الثقة بين السفارة والمؤسسات والمنظمات والجمعيات الخيرية بمختلف جنسياتها.

تقدير لمصر وتجديد للعهد

وختم السفير الفلسطيني حديثه بتوجيه الشكر لجمهورية مصر العربية الشقيقة وللشعب المصري بكافة مكوّناته، لا سيما وزارة الصحة والسكان المصرية، ووزارة التضامن الاجتماعي، الجهات الخيرية والإغاثية، والهلال الأحمر المصري، إضافة إلى جميع المؤسسات والجمعيات والمنظمات التي قدّمت مساعدات مالية وغذائية وإنسانية لأبناء شعبنا في مصر.

السفارة تتحمّل كذلك مسؤوليات اجتماعية وخدماتية تجاه الجالية التاريخية في مصر، التي يربو عددها على نصف مليون فلسطيني. ونجدد العهد بمواصلة تقديم الخدمة لأبناء شعبنا بكل ما لدينا من إمكانات، مع تعزيز علاقاتنا التاريخية والشراكة الاستراتيجية بين دولة فلسطين وجمهورية مصر العربية التي أحبطت مخطط التهجير، وتواصل دعم كفاح شعبنا وحقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة والمتصلة جغرافيًا على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - القاهرة