منذ صبيحة اليوم ضجّت وكالات الأنباء وقنوات الإعلام في إحياء ذكرى يوم الأرض الفلسطيني، حتى الأثير الإذاعي ومنصات التواصل الإجتماعي تضافرت خطاباتهم لتعيد التأكيد على الحق الفلسطيني بالعودة إلى أرضه المحتلة والقطيعة مع الشتات والإغتراب القسري عن موطنه الأم، هذه الجهود الإعلامية والنشاطات الوطنية رسمت خطوطًا وحدوية للكل الفلسطيني وكرّست مساحة عريضة للحديث عن الوحدة الوطنية كخلاصٍ جماعي للفلسطينيين من الظروف السياسية والأوضاع الإجتماعية الصعبة والقاتلة التي يمرون بها في شتاتهم ونزوحهم.
التناقض الرئيس مع الصهيونية ككيان احلالي وعنصريتوارت التناقضات الثانوية التي كانت وما زالت تعصف بالحالة الفلسطينية بكل تفصيلياتها، إلّا أن يوم الأرض كان الناظم الذي كسر حالة الإنقسام السياسي الفلسطيني في ذكراه، وأكّد على ضرورة أن يعي الفلسطينييون في هذا اليوم على أن بوصلة فلسطين تشير إلى أرضهم المسلوبة والتي نهبها المحتل الصهيوني منذ عقود وتربع على ترابها، وأن مسائل الإنقسام والتشظي التي تنخر في الحالة السياسية الفلسطينية تبقى مسائلاً ثانوية لا وقت ولا هامش لتعميقها، وأن الحالة الوحدوية التي أعادها يوم الأرض لذهنية الفلسطيني يجب أن تستمر وتتراكم جهودها، لأن أيام الفلسطينيين هي أيام أرضهم إلى حين تحريرها واعادتها، وطالما هنالك احتلال يسعى لهضم ما تبقى منها فإنّه من الخطر بقاء الحالة السياسية العامة بهذه الأمراض المفرّقة والتي لا تخدم سوى مآرب ومطامع الإحتلال الصهيوني.
الإعلام الوحدوي ويوم الأرض الواحدة
اهتم الإعلام الفلسطيني في هذا اليوم على توحيد خطابه وكلمته، متجاوزًا كل الخطابات والبرامج السياسية المتناقضة لدى الأحزاب الفلسطينية، فيوم الأرض هو يوم الأرض على كامل التراب الفلسطيني، بغض البصر عن خطابات الساسة الفلسطينيين ومواقفهم، فقد قال الإعلام عبر قنواته التقليدية والجديدة كلمته الوحدوية، واستعاض عن كل هذه التناقضات في الخطاب الفلسطيني بكامل التراب الفلسطيني من بحره إلى نهره، ولم يتوقف دور الإعلام الوحدوي إلى إحياء هوية هذا اليوم، وإنّما ذهب للسؤال عن تاريخ الذكرى برسم الإجابة الوطنية، حينما صادر الإحتلال الصهيوني آلاف الدونومات من أراضي عرابة وسخنين وخرج الفلسطينييون من الجليل المحتل لمقاومة ولجم هذه السياسات الإحتلالية والإحلالية بحق أرضهم، وقد نزف الدم الفلسطيني في حينها لتبقى هذه الذكرى معمّدة بدماء الشهداء الفلسطينيين، ولتعيد التأكيد على أن هذه الأرض لا ترويها إلا دماء أبنائها، وأن الأرض لا يرثها إلا أبنائها الطيبون لا عصابات الإحتلال وأدواته الإجرامية.
هذا الحدث أعاد اللحمة وجسد الهوية الوطنية الفلسطينية بين اجزاء الوطن الفلسطيني الممزق بفعل الاحتلال الصهيوني إلى كيانات فلسطينية مجزئة بين فلسطين التاريخية المحتلة عام 1948، والضفة الغربية وقطاع غزة الذي احتلتها الصهاينة عام 1967 والشتات الفلسطيني.
وإن التمسك بالهوية الوطنية الفلسطينية كحاضنة جامعة ومحرضة تبقى البوصلة الوحيدة التي تحفظ داخل الوعي الفلسطيني وفي ذاكرته فلسطين التاريخية وحقه في النضال من أجل إعادة كسب معركته في تحرير الأرض والإنسان الفلسطيني، والذي يواجه كل أساليب القتل والتعذيب والتشريد وما زال متمسكاً بتاريخه النضالي، رافضاً التنازل عن ثوابته الوطنية، كذلك التأكيد على المشاركة الجامعة النضالية في فعاليات إحياء ذكرى يوم الأرض كوفاءٍ لأرواح الشهداء وتمجيدًا لذكراهم، وتجسيداً لإصرارنا وتمسكنا بحقوقنا وثوابتنا الوطنية.
تأتي هذه الذكرى في ظل استمرار الحصار وحالة التهويد التي تشهدها عاصمتنا، وهذا كله يدفعنا نحو تجسيد تمسكنا بسياسة إعلامية وحدوية وطنية جامعة تُعيد الاعتبار الى اللحمة الوطنية لتحقيق المصالحة الفلسطينية.
شكلت هذه التغطية الوحدوية العشوائية ليوم الأرض، والتي كانت بدون تخطيط وتنسيق مسبق بين وسائل الإعلام الفلسطينية اشارة إلى الدافع الوطني البحق، وتحديدًا تغطية المنابر الإعلامية الحزبية التابعة لحركتي فتح وحماس، والتي ابتعدت عن أسلوب التشهير ورمي الإتهامات والمحاكمات الوطنية لطرف على حساب الآخر.
المصداقية الوحدوية كمدخل لموقف فلسطيني ثابت ومتكامل
حذانا الأمل حين ناقشت كافة الوسائل الإعلامية الفلسطينية قضايا الوحدة الوطنية والمصالحة بنوع من الحيوية والموضوعية، بعيدًا عن التعصب الحزبي، تلك النقاشات التي أعادت الثقة لدى
الجمهور الفلسطيني بوسائل إعلامه، كرست المصداقية على منابرها ما أعاد ترتيب علاقتها مع الجمهور الفلسطيني في مواجهة البدائل الإعلامية التي لا تحمل رسائل ذات مضامين وطنية بل وقد تضخ أجنداتها اللافلسطينية عبر أدواتها وقنواتها. ابتعد الإعلام الفلسطيني عن استخدام المصطلحات التي تثير الفتنة وتسيء إلى الأطراف الفلسطينية المختلفة لما لها من تأثير سلبي على الجماهير في ظل الانفتاح حول العالم بدون أي قيود.
وتنفيذ البرامج الإعلامية المختلفة بشكل مباشر التي تدعو إلى تعزيز المشاركة الديمقراطية، وإجراء المزيد من البحوث والدراسات التي تتعلق بقضية وحدة الإعلام الفلسطيني بهدف الوقوف على الأسباب الحقيقة وراء عدم تحقيق المصالحة الوطنية.
وتطوير مدونات السلوك الإعلامي ومواثيق الشرف الإعلامية وضرورة الالتزام ببنودها وتطبيقها. مع ترتيب البيت الداخلي لنقابة الصحفيين الفلسطينيين، والعمل على ضمان احترام الحريات العامة ووقف الانتهاكات المتواصلة لها واحترام الحريات الصحفية والإعلامية وتقديم الحماية والتسهيلات والضمانات القانونية للعاملين في المجال الإعلامي.
رامي الشرافي