بعيداً عن التعرض لقضايا الوضع الفلسطينى الداخلى بكل مكوناته سواء الوضع فى غزة أو المصالحة أو التهدئة أو وقف إطلاق النار أونتائج اجتماعات بعض المؤسسات الفلسطينية أجد أن هناك ضرورة ملحة للوقوف كثيراً عند موضوع شديد الأهمية ولم ينل حظه من المتابعة والتدقيق والتحليل وأعنى بذلك تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلى التى أدلى بها أخيرا بأنه على استعداد للقبول بكيان فلسطينى أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتى مع استمرار السيادة الأمنية الإسرائيلية من البحر إلى النهر .
لا شك أن هذه التصريحات تعد ظاهرة كاشفة لحقيقة موقف الحكومة الإسرائيلية التى أسقطت حل الدولتين من أجندتها تماماً وبدأت تتحرك لإنهاء القضية الفلسطينية أو محاولة رسم خريطة منقوصة ومشوهة لشكل الدولة الفلسطينية التى ستكون جوهر التسوية السياسية إذا ما اضطرت تحت ضغوط مستقبلية لاستئناف التفاوض ولذا فقد قام نيتانياهو بإعلان رؤيته وموقف حكومته إزاء مستقبل التسوية بطريقة واضحة لا لبس فيها ولعله يذكرنا بها .
والسؤال الذى يطرح نفسه لماذا طرح نيتانياهو رؤيته فى هذا التوقيت وبهذا الوضوح , وأعتقد أن الإجابة تكمن فى المحددات الأربعة التالية : -
المحدد الأول أن القضية الفلسطينية تراجعت أهميتها فى الأجندات الإقليمية والدولية بشكل كبير ولم تعد تمثل الأولوية التى تميزت بها خلال فترات سابقة ولم يعد هناك حديث جدى عن عملية السلام وبالتالى هناك قناعة إسرائيلية بأن أى إجراءات أو سياسات متشددة تتخذها لن تلقى اهتماماً أو معارضة مؤثرة من المجتمع الدولى .
المحدد الثانى أن التركيز الإسرائيلى فيما يتعلق بالموضوع الفلسطينى ينصب على قضية غير سياسية وهى طبيعة الوضع الأمنى فى غزة وتداعيات مسيرات العودة ومدى ما يمثله إطلاق الصواريخ من القطاع من تهديد للأمن الإسرائيلى وكيف يمكن التوصل للتهدئة تجنباً لعملية عسكرية غير محسوبة قد تؤثر نتائجها على وضعية نيتانياهو .
المحدد الثالث اقتراب الولايات المتحدة من طرح رؤيتها السياسية لحل القضية الفلسطينية والتى تعرف بصفقة القرن وحرص نيتانياهو على تثبيت مواقف حكومته قبل طرح هذه الخطة بشكل رسمى .
المحدد الرابع تأكيد نيتانياهو مواقف حكومته إزاء عملية السلام والحرص على ألا يؤثر أى حل سياسى بالسلب على أمن إسرائيل وهو الأمر الذى يدعم شعبية نيتانياهو وحزب الليكود فى مواجهة أى تيارات سياسية أخرى معارضة لتوجهاته , كما يزيد من قدرته على عبور قضايا الفساد التى مازالت تلاحقه وأسرته خاصة مع محاولته إقناع الرأى العام الإسرائيلى بإنجازاته السياسية الإقليمية والتى كان آخرها تحسن علاقاته العربية وتحديداً زيارته الأخيرة لسلطنة عمان التى يعتبرها مقدمة لزيارات أخرى مقبلة.
إذن فالمشهد السياسى الحالى أصبح مشهداً رباعياً شديد الخطورة وشديد الوضوح ومفاده باختصار موقف إسرائيلى رافض تماماً فكرة الحل السياسى العادل والمتمثل فى دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية ثم موقف أمريكى متحيز تماماً للموقف الإسرائيلى ويسقط أهم قضايا الوضع النهائى ( القدس واللاجئين ) وكذا موقف فلسطينى يركز على قضاياه الداخلية ويفتقد الدعم الحقيقى من الأطراف الداعمة له تاريخياً وفى النهاية موقف عربى لايزال يدور فى فلك وضعية المراقب ولا يمارس الجهد العملى المطلوب لتنشيط القضية العربية المحورية لأسباب متعددة.
وبالتالى لدينا أربعة أسئلة مهمة تحتاج لإجابات قاطعة أولها ماذا ننتظر لبدء تحرك عربى حقيقى يحمل على عاتقه بشكل جدى القضية الفلسطينية وثانيها هل وصلنا إلى قناعة بأن القضية أصبحت غير قابلة للحل وبالتالى لا تستدعى بذل الجهد المطلوب ومن ثم علينا قبول أى حل سياسى مطروح وثالثها كيف يمكن مواجهة هذه المواقف المتعنتة إسرائيلياً وأمريكياً ورابعها كيف يمكن للجانبين الفلسطينى والعربى الخروج من دائرة الانشغال بقضاياهم الداخلية التى تحقق لإسرائيل أهم أهدافها دون عناء أو دفع أى مقابل .
وارتباطاً بذلك أرى الا نعول مطلقاً على إمكان تغيير إسرائيل أو الولايات المتحدة مواقفهما بإرادتهما ودون أن نقوم نحن بدورنا ونبذل الجهد المطلوب لتحريك عملية السلام ومحاولة فرض مواقفنا عليهم حتى بغض النظر عن نتائج هذا الجهد ولكن قد يكفينا أننا قد تحركنا بجدية وقوة ومن ثم أرى أن يقوم الجانب العربى خلال فترة قريبة بتحرك يشمل محورين رئيسيين الأول محور نظرى وهو التأكيد الجماعى على المبادئ العامة التى تحكم حدود الموقفين الفلسطينى والعربى والواردة فى مبادرة السلام العربية، والثانى محور عملى وهو الموافقة العلنية على استئناف المفاوضات مع إسرائيل على أسس متفق عليها من حيث التوقيت والمرجعيات وشكل التفاوض وموضوعاته وحبذا لو تم تحديد توقيت قريب لبدء عملية التفاوض قبل نهاية عام 2019 وإلا فما هو البديل والوقت ليس فى مصلحتنا، ومازلت أرى أن مصر هى أكثر الدول المؤهلة لقيادة الجهد العربى فى هذا الشأن .
كلمة أخيرة أود أن أوجهها للدول العربية التى ترغب فى إقامة علاقات مع إسرائيل وأقول إن كل دولة من حقها تماماً إقامة العلاقات التى تحقق أهدافها ومصالحها ولكن فى حالتنا العربية يجب أن تكون القضية الفلسطينية حاضرة بقوة فى إطار أى علاقات عربية إسرائيلية مستقبلية وذلك من منطلق أن هذه القضية تعد مسئولية عربية وليست مسئولية فلسطينية فقط , ولعلى هنا أضرب مثالاً بأن الرئيس الراحل أنور السادات وقع أولاً على ما يسمى إطار السلام الشامل فى الشرق الأوسط والذى يتضمن حلاً للقضية فى إطار الشرعية الدولية فى 17 سبتمبر 1978 وقبل أن يوقع على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بستة أشهر فى 26 مارس 1979.
بقلم/ محمد إبراهيم