قرار الحكومة الإسرائيلية باحتجاز أموال الضرائب الفلسطينية تحت حجة إعانة عوائل الأسرى والشهداء والجرحى، وممارسة الابتزاز والضغط السياسي على القيادة والشعب الفلسطيني، ليس أكثر من عملية بلطجة وسلبطة وسطو على حقوق شعبنا وبوقاحة واستهتار بكل الاتفاقيات والقوانين الدولية والإنسانية، وأصبح واضحا ان دولة إسرائيل تحولت إلى دولة مافيا وعصابة في المنطقة تسرق أموال وأرواح وحقوق شعبنا العادلة.
الإجراءات الإسرائيلية هي أكثر بشاعة وطغيانا من الحرب نفسها، انها عدوان يسلخ الشعب الفلسطيني حيا، وينقض على قيم ورموز النضال الوطني الفلسطيني من خلال القوة المسلحة وآليات تشريعية عنصرية، وممارسة السرقة العلنية للأموال والثروات، وتجريد الضحايا من كونهم ضحايا، وكل ذلك تحت غطاء ما يسمى القانون.
الهدف الإسرائيلي والأمريكي من خلال هذا الابتزاز والحصار ليس فقط ماديا بقدر ما هو قانوني وسياسي، وذلك بوضع كل النضال الفلسطيني ومقاومته المشروعة للاحتلال في إطار الجريمة والإرهاب، ونزع مشروعية المقاومة الفلسطينية التي يمثلها الأسرى والشهداء والجرحى والمبعدين واللاجئين، والضرب بعرض الحائط الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة التي أجازت لأي شعب يخضع للاحتلال بمقاومة هذا الاحتلال والدفاع عن نفسه من اجل حق تقرير المصير، وان كل من يقع في قبضة الاحتلال يكتسب صفة المحارب القانوني.
إسرائيل كدولة محتلة تريد ان تخرج نقية وبريئة من دمنا ونكباتنا وآلامنا وكوارثنا التي تسبب بها أطول احتلال في التاريخ الحديث، وتريد قطع الطريق أمام محاكمتها ومسائلتها في المحاكم الدولية للإفلات من العقاب الدولي على جرائمها المنظمة والمستمرة بحق شبعنا منذ النكبة حتى الآن.
ان العدوان على المركز القانوني للأسرى والشهداء والجرحى هو عدوان على الهوية والكينونة الوطنية للشعب الفلسطيني، وعدوان على التاريخ والتضحيات والأحلام، المشروعة لشعبنا، وعدوان سافر على القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وكافة المواثيق والاتفاقيات التي وضعت الأسرى تحت حماية هذه الاتفاقيات بصفتهم أسرى حرية ومناضلين شرعيين من اجل الكرامة والاستقلال.
حكومة إسرائيل تتصرف كأنها دولة غير محتلة لشعب آخر، تسعى إلى تغيير الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال قوانين وتشريعات معادية لحقوق شعبنا كقانون القومية وقانون تشريع الاستيطان، وتكريس نظام فصل عنصري بشع في الأراضي المحتلة وما يترتب على ذلك من نهب للأراضي وتحويلها إلى كانتونات منعزلة، وممارسة الاعتقالات الجماعية والإعدامات الميدانية وتدمير الحياة الإنسانية للعشب والمجتمع الفلسطيني.
قرار الرئيس أبو مازن الذي أعلنه باسم الشعب والقيادة الفلسطينية برفض وإدانة القرار الإسرائيلي الظالم بقرصنة أموالنا والتأكيد على استمرار إعانة عوائل الأسرى والشهداء والجرحى مهما كانت الإمكانيات المتوفرة، يعتبر قرارا هاما وردا وطنيا وقانونيا وسياسيا وأخلاقيا على حكومة الاحتلال، ويؤكد بوضوح ان شعبنا لم يعد يملك سوى الكرامة ولن يسمح بانتهاكها مهما تجبر الاحتلال وتمادى في ممارساته الوحشية.
ان موقف الشعب والقيادة الفلسطينية هو تحذير فلسطيني من التداعيات والنتائج المترتبة على سياسة الابتزاز الإسرائيلي ومحاولات تجريم نضال شعبنا المشروع، وان الأراضي المحتلة أصبحت حبلى بالقيامة وبالغضب والغليان، فالوطن الفلسطيني على صفيح ساخن، وتتحمل حكومة الاحتلال المسؤولية عن انفجار قادم في المنطقة.
من الأهمية ان نبني على الموقف السياسي الفلسطيني رؤية وبرنامجا وتحركا قانونيا وسياسيا ودبلوماسيا وإعلاميا بتحصين المركز القانوني للأسرى وفضح الجرائم الإسرائيلية وتعريتها أمام كافة المحافل والمؤسسات الدولية، والإسراع الآن بوضع ملف الأسرى أمام المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبتها على انتهاكاتها الجسيمة وارتكابها جرائم ضد الإنسانية بحق المعتقلين كالتعذيب واعتقال الأطفال والمحاكمات غير العادلة والاعتقال الإداري التعسفي والتصفيات الميدانية كبديل للاعتقال وسياسة الإهمال الطبي واحتجاز جثامين الشهداء وغيرها.
من الأهمية أيضا دعوة البرلمانات الدولية إلى مقاطعة البرلمان الإسرائيلي الذي يشرع سياسة العدوان والقرصنة وانتهاك مبادئ وقيم حقوق الإنسان، وإطلاق حملة واسعة لفضح الدعم الرسمي الإسرائيلي للإرهاب اليهودي المتصاعد، وتمويلها لتنظيمات وجمعيات يهودية إرهابية متطرفة كجمعية حنينو ومنظمة دفع الثمن وغيرها، وحمايتها وتشجيعها للمجرمين اليهود الذين ارتكبوا جرائم بحق فلسطينيين، وقيامها بدعمهم ماليا وقانونيا وعدم محاسبتهم بتوفير الحصانة والرعاية لهم.
عندما يجتمع الاحتلال العسكري مع نظام ابرتهايد عنصري استيطاني ديني وتفشي خطاب الكراهية، وفي ظل تفشي الفقر والبطالة وغلاء المعيشة والحصار واليأس والانقسام وسيطرة الشكليات على الجوهريات وانسداد الأفق، في هذا الوضع الاستعماري الكولونيالي المركب حتما ستقوم القيامة.
عندما يختلط الغموض بالوضوح، ونعلق بين مرحلتين ملتبستين لا أماماً نتقدم ولا وراءً نستطيع الرجوع، ونغرق حتى النخاع في همومنا الشخصية وأشكال موتنا الاستثنائي وهذا الفراغ الروحي الواسع، وقد أصبح الشخص اهم من الوطن والشعار أهم من الأفعال، والمؤتمر أهم من حرث الأرض وفلاحتها، التاريخ لا ينقذنا لوحده، والشهيد أعطى دمه واكتفى بالانتظار، حين تلتئم هذه الهواجس كلها مرة واحدة حتما سوف تقوم القيامة.
الأراضي الفلسطينية المحتلة أصبحت حبلى بالقيامة وصارت قنبلة موقوتة أمام ما يجري من فظائع وجرائم إسرائيلية لا تطاق، السد سرعان من ينهار، فالإسرائيليون يستطيعون تقييد الفلسطينيين وحصارهم في فضاءات وحيزات جغرافية تصغر باطراد، يستطيعون تجويع الناس، زج الآلاف في السجون، إنزال المصفحات والدبابات إلى الشوارع، لكنهم لن يستطيعوا إخضاع ثورة الشعب الفلسطيني وروحه المتعطشة للحرية.
السيد الرئيس:
امتنع عن الإهانة..
لن يرضوا عنك لو أعطيتهم كل الأرض..
والأقصى والقيامة..
امتنع عن الإهانة..
اغسل وجهك بماء الشرف وتراب الكرامة.
بقلم/ عيسى قراقع